أبو ردانا والماية تنعش الذاكرة الشعبية!
التراث عموماً والغنائي خصوصاً، هو إبداع الشعب وهوية له، وتأريخ لآلامه وأفراحه وأتراحه التي أغفلتها صفحات المؤرخين لقوى الهيمنة من حكام وأديان. هو من التراث اللامادي، هو الذّاكرة الشعبية، ووليد البيئة، لكنه يتجاوز حدود جغرافيا المكان وإن بقي مطرزاً بألوانها، هو تلاقح الوجود مع الحياة لدى شعوب المنطقة.
التراث الغنائي يتجاوز أيضاً حدود الزمان، فجذوره تمتد في عمق الأرض منذ مئات بل وآلاف السنين، كما يتجاوز أيضاً الأجيال، فهي تحمله في ذاكرتها منذ الولادة مع هدي الأمهات، ومع آهات شابّ عاشقٍ، وألم مضطَّهدٍ، وحزن كهل على الغائب.. يردده الكبار والصغار، فتنتعش الذاكرة مع كل بحة ناي لراعٍ، ونبض وتر، وعويل ربابةٍ، وإيقاع دفٍّ، وقرع طبلٍ، ورقص زرناية ومجوز.
حفل تكريم غنائي
بتاريخ يوم السبت الواقع في 7/4/2018، بمبادرة من الهيئة العامة لدار الأسد للثقافة والفنون، وفرقة التراث السوري للموسيقى بقيادة الفنان نزيه أسعد جرى حفل لتكريم الفنان الفراتي ذياب مشهور، وذلك في مجمع دمر الثقافي.
التكريم جاء عبر أداء أغانيه من قبل بعض المطربين (عبد الوهاب الفراتي- وسام الحمصي- نضال مداد)، بمشاركة فرقة التراث السوري للموسيقى، بقيادة الفنان نزيه أسعد.
بدأ الحفل بتقاسيم على الناي من مقام السيكاه، ثم قدم الفنان الفراتي نضال مداد موال كل شيء بالدير حلو، وأتبعها بأغنية ذياب (ويلي منكم يا ويلي) ثم أتبعها بعتابا هواوية وحق جسرك يا نهر الدير، وأغنية (لأهلنا لبس العباية شكد يلبك لأهلنا) وهي من ألحان الفنان الفراتي طارق النوّارة، والمواويل والأغاني تعبر عن واقع مدينة دير الزور وأهلها.
الشابة وسام الحمصي أدت أغنيتين من أغاني ذياب (هَايْ لَيْ ياما لَيْ) وأغنية (يا بو اردين).
الفنان عبد الوهاب الفراتي قدم موالاً بالفصحى، لست أشكو حرب جفني والكرى، وسبقته تقاسيم عود على مقام الحجاز، ثم عتابا فراتية فراقية، هلي يا أهل المضايف والدواوين، وأغنية ذياب( ويل ويلي تلعي، مثل القطاية تلعي) ثم أغنيته(محبوبي مضمر) ثم موال شفت نهر الفرات بحزنه غرقان مع تقاسيم على البزق من مقام الهزام، ثم تقاسيم على الكمان من مقام البيات مع عتابا هواوية، وأغنية(ميلي عليّ ميلي) ثم تقاسيم على الكمان أيضاً من مقام السيكاه وأغننية عالماية، ثم موال سلام على سورية ودير الزور وأهلها وأغنية (مُرْ يا مدلل واشرب جاي).
معاناة وعفوية
الفنان ذياب مشهور صعد إلى المنصة وتحدث: التكريم ليس لي بل هو لكم، وأنا نقلت التراث الفراتي السوري وحملته على أكتافي وأوصلته إلى البلدان العربية والعالم، وبكل عفوية وصراحة تحدث عن مسيرته ومعاناته، حيث جاع، وكان يأخذ الخبز اليابس من المطاعم، بحجة أنها لخروف، وكما قال: كنت أنا الخروف. ثم أدى موال، يا عيوني شوفي حبايبنا، وأغنية (طولي يا ليلة) وكانت أول أغنية له عام 1972، ثم تلقى درعاً وباقة من الورد مع تفاعل وتشجيع كبير من الجمهور.
لقاءات على هامش التكريم
التقت قاسيون بعدد من الفنانين المشاركين، وكان الحديث عن التراث والغناء الفراتي وإبداع ذياب مشهور.
- الفنان ذياب مشهور: شكراً على حضوركم، وسبق أن التقيت بقاسيون، التراث الغنائي الفراتي حياتي، والتكريم لكم أنتم الجمهور.
- الفنان نزيه أسعد قائد الفرقة الموسيقية: التراث الفراتي يتميز بأنه حسّاس، وهو المدرسة التي استقى منها أغلب الفنانين، إحساس عالٍ يكمن في الألحان والكلمات، والميزة الأهم، أنه نابع من عفوية الإنسان الفراتي الذي اشتم هواء الفرات ودجلة وأفرز حالة روحية عالية تصل للكبير والصغير، وأنا أفتخر بالفنان ذياب مشهور وتتلمذت على أغانيه، فهو أسطورة تراثية.
- الفنان الملحن طارق النّوّارة: التراث الفراتي يتميز بالشجن الجميل وليس الحزن كما يعتقد البعض، وتجربة ذياب مشهور تؤكد أنه صرح وعلم من أعلام الغناء العربي وليس السوري والفراتي فقط، وهو سفير الأغنية الفراتية وأوصلها إلى العالم، بأرضية ريفية بسيطة، رغم ظروفه الصعبة، ويجب المحافظة على التراث كما هو، لكن ممكن تهذيب بعض المفردات المحلية غير المفهومة للبعض، وتطويره موسيقياً بالتوزيع فقط.
- الفنان نضال مداد: تراثنا حضارتنا، ويتميز بغناه وتنوعه وهو مستوحى من بيئتنا الفراتية والبادية، وذياب مشهور مدرسة للأغنية التراثية والفراتية، ونقلها إلى مستوى مرموق، وإلى العالم.
- الفنان عبد الوهاب الفراتي: التراث الفراتي الغنائي يتميز بحلاوته وأسلوبه وله خصوصية في أسلوبه وفي كلماته العذبة وإيقاعه وجمله الموسيقية القصيرة، وذياب كان يجب تكريمه من زمان فهو قامة كبيرة.
ذياب مشهور
فنان ومطرب سوري ولد في بلدة موحسن في محافظة دير الزور بتاريخ 15 شباط عام 1946.
يتميز بالغناء الفراتي الأصيل، وقدم أغانيَ كثيرة، واشتهر على مستوى الوطن العربي، واشترك في عدد من الأعمال التلفزيونية السورية، منها مع دريد لحام وناجي جبر في أعمال فلكلورية سورية قديمة. كما عرف بلقب المطرب الفراتي.
بدأ مسيرته الفينة في عام 1958، واعتمد على قدرته السمعية، وتعلم على يد الموسيقي الكفيف يوسف جاسم (أبو حياة) الذي علّمه المقامات الشرقية وفنون الأداء؛ استطاع أن يؤلف كلمات أغنياته ويضع ألحانها بنفسه، وكان مشروعه هو نشر الأغنية الفراتية السورية، الذي عمل عليه منذ السبعينيات (1970)، إلى أن قرر الاعتزال في (2004).
تم تصنيفه كمطرب في إذاعة دمشق، وذلك بموجب قرار لجنة مكونة من مجموعة من الفنانين الكبار.
التقى مع الفنان دريد لحام في العام 1972م حيث اشترك معه في مسلسل صح النوم وغنى بعض الأغاني مثل (طولي يا ليلة) و(ميلي علي ميلي). كما شاركه أيضًا بمسلسل ملح وسكر حيث غنى (يابو ردين) و(علمايا).
له الكثير من الأغاني الجميلة التي ذاع صيتها على مستوى سورية والعالم العربي وبعض البلدان الأجنبية في السبعينات (1970) والثمانينات (1980) منها أغنية «يا بو رديٍن يا بو ردانا» وعالماية عالماية، ونمنم خانم وغيرها.
لا شك أن الفنان الفراتي ذياب مشهور علم من أعلام التراث الفراتي والسوري، وكانت قاسيون قد أجرت لقاءً معه في 23 أيار/ 2007، كما جرى تكريمه في دير الزور في آب 2007 .