مقياس حرية الصحافة!

مقياس حرية الصحافة!

ماهي أدوات قياس حرية الصحافة؟ ما الذي يقيد حريتها حقاً؟ الجواب عن هذين السؤالين سيكشف واحدة من أكبر عمليات تزييف للشعارات في التاريخ من مثل حرية الصحافة.

يقولون لكم: حرية الصحافة، الرقابة ضد الإعلام، من وراء هذه الشعارات تتسلل نماذج الصحافة التي تريدها المؤسسات المالية الكبرى، إذا أراد أحدهم الدخول إلى الصحافة الواسعة الانتشار في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مثلاً، فليس أمامه من طريق سوى المرور عبر إمبراطوريات الإعلام المختلفة.
أي: عليه الكتابة مثلهم، إذاعة ما يريدون من أخبار، يتعلق الأمر دائماً بمدى انسجام وجهات نظر هذا الكاتب أو ذاك مع المفاهيم الرأسمالية الغربية، فالصحافة تخصص صفحاتها لمن يمجدون اقتصاد السوق والخصخصة، وتعويم العملات ورفع الدعم عن السلع، أما المقالات التي تنتقد هذا التوجه وتشكك فيه، فالرقابة تترصدها دائماً وتحول دون نشر أية دراسة تتعارض مع النموذج المعمم من قبل المؤسسات المالية الكبرى، باستثناء بعض الحالات الشاذة، التي تساهم بدورها في تكريس الوضع الحالي مثل «تلفزيون الواقع». وغيره.
تفرد الصحف الكبرى في العالم تلك التي تبيع ملايين النسخ يومياً صفحات عن قصص التجميل والصحة والأعمال، ومواد الصحافة الصفراء والجنس والجريمة وتمجيد الفردانية وتحقق مبيعات هائلة، ثم يقولون لكم نحن قمة النجاح في هذا العالم.
أما من يكتب عن البطالة والفقر وتجارة الاقتصاد الأسود، ويقف ضد الحرب على الشعوب، وينتقد نزعة الاستعلاء على الناس، فلا تترك له إمبراطوريات الإعلام العالمي مساحة للنشر في الصحف الواسعة الانتشار، ليبقى له هامش صغير لا يستطيع منافسة ما يستطيع المال العالمي شراءه.
هل نستطيع القول: إن حرية الصحافة التي ينادي بها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية هي ديكتاتورية الصحافة واستبداد الشركات الكبرى المالكة لوسائل الإعلام؟
مقارنة صغيرة بين ما تعنيه قصص الجوع والفقر والبطالة ونهب الشعوب، وبين ما تعنيه قصص الفردانية والصحافة الصفراء والبورصة العالمية، ومضاربات وول ستريت تؤكد تفاصيل الديكتاتورية التي يمارسها الإعلام على الشعوب.
يقول الصحفي الأمريكي توم ستوبارد: ما زلت اعتقد إذا كان هدفك تغيير العالم، الصحافة هي السلاح الأكثر إلحاحاً على المدى القصير. هذه المقولة صحيحة وتؤيد ديكتاتورية الصحافة إذا استخدمتها إمبراطوريات الإعلام من جهة، ومن جهة أخرى تؤيد حرية الصحافة إذا استخدمت عكس ما تريده المؤسسات المالية المهيمنة على الصحافة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
822