دوستويفسكي بعد 125 عاماً على رحيله.. حضور ما يزال مذهلا!!

تصادف يوم الحادي عشر من تشرين الثاني الجاري الذكرى الـ185 لميلاد الأديب الروسي العملاق فيودور ميخائيل دوستويفسكي الذي يعد من أهم الروائيين العالميين في العصر الحديث.

فيودور دوستويفسكي (1821-1881) ولد في موسكو لأسرة متوسطة، وتوفيت أمه (1837) وهو ما يزال يافعاً، فمضى إلى سانت بيترسبيرغ، ليدرس في كلية الهندسة العسكرية، وسرعان ما توفى أبوه في عام (1839) ليجد نفسه وحيداً، ويصبح العالم موحشاً من حوله.
يعد دوستويفسكي واحداً من سادة الرواية الروسية، وقد أعطته الحياة المكتظة بالأحداث الجسيمة والمغامرات التي تصل حد الموت سيرة جمعت كل التناقضات.. وهي لا تقل عنفا عن أعظم رواياته (الأخوة كارامازوف) أو (الجريمة والعقاب) و(الأبله) و(المراهق) و(مذكرات من بيت الموتى) وغيرها.. فلقد  كانت  حياته رحلة قاسية.
تأرجحت حياة (دوستويفسكي) بين مرض الصرع  الذي كان ينتابه بين الحين والآخر وتنامي قوة الرفض في داخله وتمرده على الواقع الذي قاده للاشتراك في حركة سياسية ضد الحكم القيصري، فزج به في السجن الذي فتك به وأكل جزءاً من روحه التي فقدت الكثير من توهجها بين جدرانه الصدئة، على الرغم من أن تجربة العزلة والاطلاع على عوالم السجن قدمت له الكثير على صعيد التعمق في دقائق الأمور ونقلها من جغرافية الواقع المأزوم إلى جغرافية الفن.. حيث لم تغلق قسوة التجارب والأحداث الشخصية قدرته على التعبير والاكتشاف والتمثل ونقل عبقرية الدرس من اليومي والمهمل باتجاه التحليق والرؤى المتعالية، والقبض على اللحظات والمواقف الإنسانية المتوهجة والقابلة للامتداد إلى آفاق جديدة وأزمنة مترامية.. ولعل وقوف دوستويفسكي أمام كتيبة الإعدام في عراء سيبريا (المنفى التقليدي للروس) كان ذروة الدرس التراجيدي في سيرته، فتحولت لحظات انتظار الموت المجاني إلى تعويذة سرية لاكتشاف عوالم الإنسان والوجود والقلق الدامي الذي لا يطاق..
هذه المخاضات الحادة هي التي منحته حاسة متميزة وإضافية للإبحار في النفس الإنسانية وصراعاتها الباطنية وهي تكابد رداءة الواقع واغترابية الحرية ومصادرة الذات وخنق تطلعاتها والهيمنة السلطوية واغتيال كل مغامرة هدفها الانعتاق..
نجد في سيرة الروائي الروسي الكبير دوستويفسكي مثالاً واضحاً لتجليات ظاهرة العنف الثقافي، وهو عنف لا ينتمي إلى نمط عنف الأفراد أو الجماعات الثقافية، بل ينتمي إلى نمط العنف الذي ترتكبه السلطة السياسية ضد المثقف، فبعد أن أصدر روايته الأولى «المساكين» والتي ظهرت في عام 1846، وأثارت دهشة وإعجاب النقاد الروس وفي مقدمتهم «بلنسكي» بعد كل ذلك يتم إلقاء دوستويفسكي في غياهب سجن القديس بولس ويصدر ضده حكم بالإعدام بحجة انتمائه لجماعة «بتراشفكي» المحظورة سياسياً في تلك الفترة، وهو حكم كان سيجد سبيله للتنفيذ لولا أن استبدل في اللحظات الأخيرة بقضاء ثماني سنوات في سجن سيبيريا السيئ السمعة، هناك حيث نُفي دوستويفسكي مع القتلة والسفاحين واللصوص..        

معلومات إضافية

العدد رقم:
285