بين المضمون الشعري للنص.. والنص الشعري للمضمون فلنتعلّم كيف نكون أصفاراً؟!

منذ فترة وأنا أحاول أن أجيب على سؤال أطرحه على نفسي...
هل هناك فرق بين المضمون الشعري للنص... وبين النص الشعري للمضمون؟

فلنتفق أولاً أنه ليس من الصعب على أي قارئ أن يدرك أن هناك اختلافاً بين الحالتين، ولكن إذا دققنا  قليلاً وأمعنّا النظر كثيراً كثيراً حتماً سنتوّج إدراكنا بالنتائج.
وهنا لابدّ أولاً أن نصل إلى بعض المقاربات التي أهمها: أن نعرف معنى السؤال المطروح حتى نستطيع أن نلمس جوهر الموضوع وعمقه كي لا نطفو على الصفحة الأولى لماء البحر دون أن نغوص في القاع.
إذن القصد في الشطر الأول من السؤال والذي قد يكون إشكالياً أكثر من الذي تلاه، أن هناك نصوصاً لا تحصى ... لأقلامٍ لا تحصى هي الأخرى تتمتّع بقدرٍ عالٍ من اللغة الشعريّة سواء كانت هذه اللغة صوراً أو استعاراتٍ أو مفرداتٍ جزلةً... أو تمثلت هذه اللغة في متانة الجمل.
ولكن علينا هنا أن نفكّر في أن الشعر ليس لغةً وحسب... إنما هو مجموعة مركباتٍ وجزئياتٍ مترابطة، لا ينفصل أي منها عن هذا التكوين الكلّي الذي يطلق عليه بعد أن يخرج من أفران  الصهر ومن بواتق الجمال اسم الشّعر.
إذن كان علينا كقرّاء جدد أن نلمس هذه العلاقة الوطيدة بين الأدب بشكل ٍعام والشّعر بشكلٍ أخص وبين الفلسفة، قبل أن نستمتع بجمالية اللغة، حتّى نفتح أمام أنفسنا عوالم جماليةً أيضاً، بيد أنها أثرى وأغنى تخوّلنا صداقتنا معها ومع الفلسفة أن نتفنن في التفسيرات المدهشة لما ورد في النص.
وعلى هذا فإنه من الممكن أن نجد مضامين ليست شعريّة، إنما هي شاعريّة، منبعها اللا وعي، لأن الإحساس لا يأتي بإرادة الفرد بل أحياناً بلا وعيه؛ بينما الشعر هو خلاصة بناءٍ وعمل حقيقيين.
واكتشاف هذه العوالم ليس مقتصراً على الكاتب أي كاتب النص الذي يجيد قراءة وفهم نصّه بناءً على أنه هو الذي قام بالعمل، بل وتشمل المتلقي الذي يحتاج بدوره إلى جهد مضاعف ليفسّر أو ليحسن رؤية ما بين السطور، وليعرف ماهية وشكل تلك النوازع التي سحبت الكاتب باتجاهها فكتبها بحرفيّة شاهقة العلو.
إذن ليستطيع القارئ القيام بهذه المهمّة عليه أن يعتمد على ما يملك من مراجع داخلية كالإحساس ليقيم النص شاعريّاً ، ومراجع خارجيّة وهي معرفية ليقيم النص شعريّاً.
     وبناء على ما تقدم فإن هناك فرقاً شاسعاً بين المضمون الشعري للنص والذي لا يعطي صفة الضمان له لأنه يعتمد على اللغة بكل معطياتها التي سبق وذكرناها ( صور– تشابيه– تراكيب– متانة)... إلخ، وبين النص الشعري المضمون الذي يحوي كل هذه المعطيات ولا يقتصر عليها وحسب، بل يتمّها بالفكرة الجديرة بالمعرفة والتي تتم معاينتها حسب جديتها وحداثتها والأسلوب الذي تعرض به.
عندئذ أعتقد أننا نستطيع أن نطلق على هذا النوع من النصوص اسم النص الشعري المضمون.
والمسألة لا تحتاج الكثير من الوقت إذا استلهمنا دروس الأسماء التي سبقتنا والتي لها وزنها وقيمتها ودورها البارز في تكوين الاتّجاه الجديد للأدب العربي الذي لا بأس عليه إن امتلك أدواتٍ جديدة  لعصرٍ جديد ضمن الخصوصية الفاتنة نفسها للغتنا العربية حتّى يواكب الحداثة الشعرية أنّى حطّت.
إذن إننا كشبّان، شعراءً كنّا أولم نكنْ؛ نعيش ضمن مناخٍ غير مثالي لأي نوع من أنواع الفكر والفن والمعرفة بسبب عدد هائل من المعوقات التي تبدأ بالأجواء السياسية المغبرّة وتمر بالبنية الهشة لمجتمعاتنا، وقد تنتهي بالضغوط التي قد لاتكون موجودة التي نمارسها على أنفسنا ثم ّنتذرع بها عندما نفشل.
ضمن هذا الواقع نحن مطالبون بمنهجة حياتنا والتركيز على ما نريد (طبعاً إذا توصلنا لمعرفة ما نريد) وتحديد أهدافنا بدقةِ نحلة، حتى نكون جديرين أن نحمل أرقاماً، وإن بدأت بالصفر، لأن الصفر أيضاً رقم إيجابي.
فهل نستفيد من خبرات وتجارب أساتذتنا ومعلمينا لكي نصبح أصفاراً... أم ماذا؟!!
 

24/10/2006

معلومات إضافية

العدد رقم:
285