قصتي مع الشيوعية

خلال السنوات التي قضيتها في الحزب وبعد أن تكوّنت لديّ مجموعة من الملاحظات الهامة على سياساته ومواقفه من الأوضاع الداخلية والخارجية، بدأت أطرحها في الاجتماعات بقوة. ما جعل القيادات الحزبية وعلى مختلف مراتبها تضيق ذرعاً بي. وتتهمني بالتطرف واليسارية الطفولية.. وغير ذلك من ألقاب اشتهر بها الحزب كثيراً بتلفيق الاتهامات لمناوئيه. وفيما يلي بعض هذه الملاحظات:

 - لطالما البنية العقائدية واحدة لدى كافة الفصائل الشيوعية، فإن ما يجمعها أكثر بكثير مما يفرّقها، ولا توجد أية مبررات منطقية لتمزق الحزب وانشطاره إلى شظايا تنظيمية مهلهلة..
 - خطأ الحزب في موافقته على ما ورد في ميثاق الجبهة الوطنية التقدمية والتي يحظّر على الأحزاب بموجبه العمل بين الطلاب باستثناء حزب البعث!
 - لم أفهم أبداً كيف يتحالف حزبنا مع حزب البعث طوال عقود ولا يتمتع بميزة امتلاك مقرّات علنية وإصدار صحف ومجلات خاصة به وبيعها في الأسواق!
 - لم أقتنع تاريخياً بجدوى العمل السرّي أو (شبه السرّي) كما يسمّيه رفاقنا، سيما وأن كل أعضاء الحزب ونشاطاتهم معروفة لدى أجهزة الأمن بكافة تفاصيلها..!
 - وقوف الحزب مكتوف الأيدي ضد (حفلات) التنسيب الإجباري للمواطنين لمنظمات الحزب الحاكم (الطلائع، الشبيبة، البعث). وموافقته على احتكار تسييس الجيش والقضاء للبعث، ووقوفه عاجزاً عن مواجهة تسلط الأجهزة الأمنية، إن لم نقل أنه كان يستقوي بها في بعض الحالات حتى على الرفاق!
 - كان الحزب يطرب للسياسة الخارجية للنظام بسبب خطابه العدائي للإمبريالية والصهيونية وعلاقاته الجيدة مع الاتحاد السوفييتي وبقية البلدان الاشتراكية، ولقاء ذلك كان يغضّ الطرف عن السياسة الداخلية المدمرة للبلاد.
 - لم يتجرّأ الحزب خلال العقود الماضية على ذكر اسم مسؤول واحد فاسد في الدولة. وإذا تم إلقاء القبض على أحد الأكباش من قبل السلطة بين الحين والآخر، فإن الحزب نادراً ما كان يتطرّق إلى هذا الموضوع.
 - قلّة المعارك الطبقية التي خاضها الحزب في القضايا الكبرى، وغياب مظاهر الاحتجاج عن نشاطاته (اعتصام، مظاهرة، إضراب عن الطعام، التلويح بالانسحاب من الجبهة...إلخ) واقتصار نشاطه على إبداء الرأي المهذب جداً.
 - عدم تطرّق الحزب تاريخياً إلى المادة الثامنة من الدستور والقائلة بأن حزب البعث هو القائد للدولة والمجتمع. وعدم المطالبة بتعديل أو تغيير النظام الانتخابي في سورية.
 - لم يعترض ولا مرة على تجييش الناس في مسيرات مليونية (طوعية) تدعو إليها السلطة تكريساً لنهج عبادة الفرد.
 - دفاعه الخجول عن معتقلي الرأي في سورية. وغض الطرف عن الانتهاكات المرعبة لحقوق الإنسان فيها. وذلك تمشياً وفهمه العجيب لسياسة التحالف. وفي الوقت نفسه يبدي دفاعاً (شرساً) عن المعتقلين في البيرو وتشيلي والسلفادور وجنوب أفريقيا..
 - شغله الشاغل دعم سياسة السلم العالمي والتحدث عن البرجوازية الطفيلية والبيروقراطية، دون أن يفهم أغلب كوادر الحزب ماهيّة هاتين البرجوازيتين. ودون أن يعطي مثالاً ملموساً واحداً بالاسم عنهما.. في الوقت الذي يفترض فيه أن يتوجه بخطابه إلى الوسط الذي يمثله وينتمي إليه، بلغة مفهومة شفافة قريبة منه ومن وثقافته...
 - الدور الهزيل للكثير من الوزراء والنواب الشيوعيين في الحكومة وفي مجلس الشعب وفي مجالس الإدارة المحلية، في الدفاع عن القضايا التي تمس مصالح الشعب.
 - غياب شبه كلي لإبراز وجه الحزب المستقل. ومشاركة الحزب للسلطة في التعتيم الإعلامي التام في المراحل السياسية الهامة بتاريخ سورية ( التدخل السوري في لبنان والانتقال الدراماتيكي لموقف النظام في تحالفاته على الساحة اللبنانية تارة مع اليمين وتارة أخرى مع اليسار، أحداث الأخوان المسلمين أواخر السبعينات وأوائل الثمانينيات، خلاف الأخوين (الرئيس الراحل ورفعت)، حرب المخيمات والموقف من عرفات، حرب تحرير الكويت، الانتقال من تبنّي شعار جبهة الصمود والتصدّي إلى شعار التوازن الاستراتيجي إلى السلام كخيار استراتيجي، جمعية المرتضى، انتحار الزعبي...إلخ. دون رصد أو إبداء أي تحليل مقنع لهذه التغيرات والأحداث التي عصفت في المنطقة. ودون تبيان تداعياتها و تبعاتها..؟
 - عدم حصول أي تطور في جريدة الحزب (نضال الشعب) والتي كنا نخجل من توزيع أعدادها على الأصدقاء؛ كون أغلب المقالات المنشورة فيها إما مترجمة عن صحف شيوعية، أو تتحدث عن السلم العالمي وعن خطر اندلاع حرب نووية. وإذا تطرّفت إلى الوضع الداخلي ولا بدّ، فإما كلمة لأحد النواب الشيوعيين في مجلس المحافظة أو في مجلس الشعب، أو حشو صفحاتها بمطاليب خدمية لبعض القرى والبلدان..
 - إذنٌ من طين وأخرى من عجين لكل الاقتراحات التي كنا نقدّمها بشأن جعل الحزب منتجاً؛ كأنْ يقوم بمشاريع إنتاجية صغيرة أو متوسطة (معمل بلوك، خلايا نحل، معصرة زيتون، معهد تعليمي، شركة إنتاج للدراما السينمائية والتلفزيونية والمسرحية..) تساهم في محاربة البطالة، وتلعب دوراً في نشر الثقافة الجادة، وتوفر السيولة المالية للحزب في تغطية نفقاته.
 هذه الملاحظات وغيرها كثير، أسهمت بنفوري التدريجي من الحزب. وجعلت استمرار ارتباطي به من باب الالتزام الأدبي ليس إلا..

 يتبع...

معلومات إضافية

العدد رقم:
285