محمد سامي الكيال محمد سامي الكيال

حول مشروع قانون الأحوال الشخصية «الجديد»: هل المطلوب «قانونياً» التخلف ... والعودة إلى الوراء؟

تناقلت بعض وسائل الإعلام السورية، بصياغات متشابهة، الخبر التالي: «قامت رئاسة مجلس الوزراء بتعميم مشروع قانون الأحول الشخصية الجديد على الهيئات والمؤسسات الرسمية لإبداء الملاحظات إن وجدت، تمهيداً لطرحه على مجلس الشعب لإقراره والعمل به، ويُذكر أن هذا المشروع قد أعدته اللجنة المكلفة من رئيس مجلس الوزراء بالقرار رقم /2437/، تاريخ 7/6/2007، واستغرق إنجازه عامين كاملين».

إلى هنا ينتهي الخبر دون أي تعليق أو ملاحظات إضافية، بحيث يبدو الموضوع شأناً إدارياً روتينياً يمكن إدراجه ضمن تلك الأخبار المحلية الاعتيادية التي تعجُّ بها الصحف الرسمية. وبعد مراجعة دقيقة للصحافة المطبوعة سنجد تعليقاً يتيماً على صفحات إحدى الجرائد المحلية، يطرح باستحياء شديد بعض التحذيرات من المشروع.
أما إذا دفعنا الفضول (غير الحميد) إلى البحث عن نص المشروع نفسه، فلن نجده إلا على بعض مواقع الإنترنيت غير الرسمية، وهنا سنكتشف أن قراءة هذا المشروع وفهمه تحتاج إلى ما هو أكثر من المعرفة القانونية التقليدية، حيث أن فقراته المليئة بكلمات على شاكلة «لعان»، «إيلاء»، «موطوءة» تجعله يشبه مخطوطةً قديمة يحتاج فكُّ رموزها وألغازها إلى تعاون مجموعة من خيرة المختصين في التراث!!
مهما بحثنا في المشروع فلن نجد كلمة «مواطن» أو «وطن» فهذه المفاهيم ليست ضمن اهتمامات واضعي المشروع (مجهولي الأسماء)، حيث أن سورية كما يفهمون هي تجمع لعدد من الطوائف التي يحلُّ أفرادها منازعاتهم في محاكمهم الطائفية، وبالتالي فقد ضاع «المواطن السوري» وسط زحمة «الكتابيين» و«الذميين» و«المرتدين»!!

ما تبقى لنا من مشروع الدولة الوطنية
خلال سنوات طويلة طالب العديد من الناشطين، وبكل الأساليب القانونية الممكنة، بتعديل قانون الأحوال الشخصية، ليس فقط بسبب أحكامه الرجعية بخصوص العائلة والمرأة، بل لسبب أكثر جوهرية وهو شرعنته للطائفية، وتكريسه للفصل والتمييز بين أبناء الوطن الواحد على أسس دينية ومذهبية، وبالتالي فقد كان من الضروري إنهاء الوضع القانوني غير الطبيعي في البلاد، وإزالة التناقض بين دستورها ذي الطابع الوطني شبه العلماني، وبين قانون الأحوال الشخصية الطائفي الذي تعمل به محاكمها.

هكذا كان تعديل قانون الأحوال الشخصية (أو بالأحرى تغييره تغييراً جذرياً) مهمة وطنية معلَّقة منذ بدايات عهد الاستقلال، لها ضرورتها القصوى للحفاظ على مشروع الدولة الوطنية الحديثة والاستمرار بإنجازه، وخصوصاً بعد صدور النسخة الأولى من قانون الأحوال الشخصية في عام 1953، والتي فاجأت الجميع باعتمادها على قانون «تنظيم الطوائف الدينية» الذي وضعه المندوب السامي الفرنسي «دو مارتيل» في عام 1936.
 وبعد صدور الدستور الدائم للجمهورية العربية السورية في عام 1971 والذي أكدت فيه الفقرتان 3و4 من المادة 25: «المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات. تكفل الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين» جاء تعديل قانون الأحوال الشخصية لعام 1975 مخيباً جميع الآمال، حيث أن التعديل لم يمسَّ الأسس الطائفية لقانون عام 1953، في تعارض صريح مع الدستور الدائم.
والآن، في عام 2009، وبعد أن دخلت سورية الألفية الثالثة، يأتي المشروع «الجديد» قفزة كبرى إلى الوراء بكل المقاييس، فهو لم يحافظ على طائفية القوانين القديمة فحسب، بل أضاف إليها الكثير.
فعندما نقرأ قانوناً سورياً تبلغ الجرأة بواضعيه إلى درجة تسمية غير المسلمين من السوريين باسم «الذميين» يحقُّ لنا أن نتساءل: هل «الوطن» قد أصبح شعاراً آخر من الشعارات التي تمَّ التخلي عنها مؤخراً في قطرنا (الذي كان فيما مضى لا حياة فيه إلا للتقدم والاشتراكية!!)
وعندما نعلم أن من أهم إضافات المشروع الجديد هو إيراد تعبير «مرتد» فسندرك أن الباب قد أغلق تماماً أمام كل سوري رافض للطائفية، ففي سورية المشروع الجديد إما أن تكون عضواً في طائفة، أو أن تكون مرتداً يجوز تفريقك عن زوجتك (وقد نشهد في الأيام القادمة الكثير من دعاوى الحسبة بحق المثقفين العلمانيين السوريين).
وبما أن المشروع الجديد قد حرَّم زواج المسلم بغير «الكتابية» فقد بات من الواضح أنه قد جعل الانتماء الديني شرطاً أساسياً من شروط المواطنة،  فلا مكان في سورية لغير «الكتابيين»، و بالتالي لن نندهش كثيراً مما تنصُّ عليه المادة 54 منه: «العبرة في الكفاءة: الصلاح في الدين، وعرف البلد غير المخالف للشرع»!!

 «الموطوءات» في القانون!!
تقول المادة 45 من الدستور الدائم: « تكفل الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع العربي الاشتراكي»
الدولة إذاً حسب الدستور تضمن المساواة للمرأة، ولكن قانون الأحوال الشخصية في هذه الدولة نفسها يطلق على المرأة أسوأ النعوت ذات الرنين القروسطي، فهي «موطوءة» الرجل، و«ناشز» في حال مخالفتها لها.
وفي الدولة التي تعمل نساؤها على بناء المجتمع الذي  يسهل القانون فيه تزويج القاصرات (حيث تنصُّ المادة 45 من المشروع على شرعية تزويج الفتاة القاصر بعد سن 13 سنة، في حال إدعاء ولي أمرها بلوغها جنسياً، وتأكُد القاضي من ذلك!!) وتمنع المرأة من السفر دون إذن زوجها، ويؤكد المشرع أن من أهم واجباتها إطاعة زوجها إطاعةً كاملة (إلا في حال أمره لها بارتكاب معصية دينية!!) في حين لا يشترط على الرجل إلا «النفقة» و«العدل بين الزوجات في حال تعددهن»!!
هكذا يكرس المشروع الجديد عبودية المرأة، وسط صمت المنظمات النسائية الرسمية، والشخصيات النسائية العامة التي وصلت إلى أرفع المناصب في الدولة (لا ندري مثلاً ما هو موقف السيدة نائب رئيس الجمهورية من هذا المشروع). 
في الختام لا بد أن نقول إن واضعي المشروع قد نجحوا حقاً في إيقاظنا من أحلامنا الدستورية والوطنية، فبعد أن كنَّا نحلم بقانون أحوال شخصية علماني وموحد لكل السوريين، وتشريع الزواج المدني الاختياري، وإعطاء المرأة حقوقها وحرياتها، أصبحنا نتذكر قوانيننا القديمة بكثير من الحنين!!

معلومات إضافية

العدد رقم:
408