ماذا تقول ياصاحبي؟ قول على قول
أما زلت تذكر أمسياتنا الخالية على ضفة بردى، ونحن نتساجل الأشعار، تقول بيتاً فأتابعك ببيت آخر يبدأ بالحرف الذي انتهى به «بيتك» في تنافس لايكاد ينتهي؟!
• لقد حملني سؤالك هذا إلى خمسينات القرن الماضي، بل أعاد لي رعشة تلك الأمسيات الجميلة.. ألا ماكان أطيب تلك الأيام وماأجملها.. إنها أيام المد الوطني العارم.
أيام إذا الشعب يوماً أراد الحياة... أيام نمو الوعي الوطني والطبقي.. أيام قصائد شعرائنا الكبار أمثال وصفي القرنفلي وعمر أبي ريشة ومحمد مهدي الجواهري وبخاصة قصيدتيه الرائعتين «خلفت غاشية الخنوع ورائي» و «ترنحت من شكاة بعدك الدار».
• تصور أنني مازلت أذكر مرة أنك بدأت المساجلة ببيت الجواهري:
آمنت إيمان الدماء بنفسها
فأنا الصبيغ بها صباح مساء
فأجبتك بقولي:
أنا العراق لساني قلبه ودمي
فراته وكياني منه أشطار.
ذاك الفيض الدافق من الشعور والإحساس والوعي كان يلهب عزائم الشباب والرجال ويدفع بهم إلى ساحة الكفاح ليترجموا قناعاتهم جهداً وعملاً.. بذلاً وعطاءً وتضحية.. تملأ أيامهم وتحيلها حركة لاتعرف التردد أو الضعف والفتور. كيف لا وأبيات الجواهري تشعل النضال في النفوس التي استيقظت في أتون الزخم الوطني الهادر.. ألم يردد كل منا قوله الرائع:
حاسبت نفسي والأناة تردها
في معرض التصريح للإيماء
بيني لُعنتِ فلستُ منك وقد مشى
فيك الخمول ولست من خلطائي
ماذا يميزك والسكوت قسيمة
عن خانع ومخادع ومرائي
أبأضعف الإيمان يخدع نفسه
من سنّ حب الموت للضعفاء
خلي النقاط على الحروف وأوغلي
في الجهر ماوسعت حروف هجاء
ماأنت إذ لاتصدعين فواحشاً
إلا كراضية عن الفحشاء
• واليوم... أمازالت تلك الأقوال صحيحة على الرغم من أن أخلاقيات الطفيليين أصحاب برنامج السوق والسوء، تستشرس كي تتفشى وتدنس نسيج هذا الشعب الأبي، معتمدة ضيق ذات اليد وصعوبة العيش والتهميش والإحباط؟!
أجل مازالت صحيحة وخير شاهد هو الواقع الذي نعيشه اليوم، فلقد أخذت تشع من جديد شعلة الوعي وبدأت الحياة تدب شيئاً فشيئاً في الشارع الوطني، فلقد انطلقت الأسئلة لتصل إلى الإجابات الشافية مكونة المعرفة فاليقظة فالتحرك فالعمل وممارسة النضال.
• أنت محق فيما تقوله فالمعرفة لابد أن تتجسد في واقع الحياة وكما قيل:
إن عملية المعرفة تدخل في نطاق النشاط النظري للناس. والنظرية هي التعميم العلمي العملي للممارسة، وانعكاس الواقع في وعي الإنسان، بيد أن النظرية بحد ذاتها لاتغير الواقع.. والعالم لن يتغير من جراء هذا وحده، إن الدور الفعال العظيم للمعرفة للتفكير للنظرية يقوم في أنها يمكن أن تدل على طريق تغيير العالم، بيد أن تجسيد الأفكار في الحياة يتطلب الممارسة العملية.. فماذا تقول ياصاحبي؟؟!
■ محمد علي طه
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 228