لغة العنف...
أثارت زاويتي في العدد الماضي أسئلة كثيرة من قبل قراء «قاسيون» بل ومن قبل بعض من التقيتهم من أعضاء أسرة التحرير، وإذا كانت هذه الآراء برمتها تلتقي في نقطة واحدة، وهي صوابية الوجع الذي تناولته، إلا أن هناك من راح ـ بالمقابل ـ يتحدث عن غموض المادة، أو نقد ممارسة العنف بالعنف، ولعل كل ما سمعته من مثل هذه الآراء، إنما هو في نهاية المطاف محق تماماً.
حقيقة، إنني أحد هؤلاء الذين عرفوا في الساحة الثقافية السورية، بالوقوف في وجه لغة القذع التي طالما يلجأ إليها ضعاف النفوس من حولنا.. في كل مكان..، وذلك من خلال الدعوة إلى لغة الحكمة، والعقل، والتبصر..
بل إنني، سلفاً أؤكد بأن من يلجأ إلى النهل من معجم الشتائم، إنما هو قبل كل شيء أعزل من القيم، متجرد من الأخلاق، عار من المنطق، أجوف، بيد أنني أذكر ـ في الوقت نفسه ـ أن هؤلاء المتسطحين، السوقيين، يجعلون المرء ـ في بعض الأحيان ـ يلجأ إلى لغتهم، لأنها الوحيدة التي يفهمونها، وأنها الوحيدة التي تعيدهم إلى صوابهم… وهيهات ذلك هيهات..
عموماً، إن النظر إلى المشهد من خارجه، ربما يجعل المرء يتوصل إلى أحكام، هي مختلفة، بل متناقضة مع أحكام من يعيش في لجة المشهد، ويعاني، ويجد من حوله الأدعياء يتكاثرون كالطفح والفطر، هاجسهم الأوحد ذواتهم، من خلال هذا الهاجس، ينظرون إلى الملأ، ويقوّمون كل شيء، بل مستعدون لأن (يقيموا) أية قيامة أمام مجرد مساس بمملكة الذات المريضة… كي يعلنوها حرباً عامة، وما أكثر المصطلحات المسكينة التي يسوغون لأنفسهم امتطاء صهواتها، بغرض إيهام المتابع بدونية أو بجريمة الآخر… دون أن يكون كذلك أصلاً.
ولا أخفي عنك ـ عزيزي القارئ ـ بأنني ـ وفي أكثر من مرة ـ انجررت إلى مزالق من هذا النوع، أجل، ولعلي بعد كل مرة، وأنا أقرأ حصيد مثل هذه المعارك، أعض على أصابع الندم، لأن هؤلاء الذين من شأنهم أن يعكروا أي صفو، أو أن يسيئوا إلى أعلى طود، وأن يطعنوا في أي جسد، وأن يزهقوا أية روح لا يمنعهم إزاء ذلك رادع، إن هؤلاء ـ كما كان يخيل إلي ـ لم يكن بالإمكان الصمت في مواجهتهم، بل من الضروري أن يتنطح المرء من أجل «نشر غسيلهم» أمام الأعين على الدوام.
ولكن، ألا يخسر المرء من وقته، وراحته، وكبريائه، إذا ما لجأ إلى هذه اللغة، وسمح لنفسه حتى بمحاورة من لا يحترم الحوار وصاحب الحوار..
ـ الجواب بالتأكيد هو: أجل…
ولكن هل أستطيع شخصياً أن أواجه مثل هذا الضرب بالصمت؟
مؤكد أن جوابي هو: لا ـ (سيستغرب صديقي كمال مراد) من هذا الرأي، لاسيما وأنه ناقشني بعضاً من الوقت كي أعدل عنه، لأنه لا مناص لشخص لجوج الروح سريع الغضب أن يسكت عن إساءة، ولكني سرعان ما أنسى الإساءات وأبدأ بالتعامل مع كل من حولي بالحب نفسه الذي أريد أن يكون نواة تعاملي مع المحيط (الجميل).. دوماً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 167