نوار موسى نوار موسى

في لقاء مع الأديب والباحث عبد المعين الملوحي: الشيوعية.. مستقبل الإنسانية المشرق!

عبد المعين الملوحي، عَلَم من أعلام الثقافة الوطنية والأدب في سورية والمنطقة العربية.. وعلى مدار سبعين عاما أغنى المكتبة العربية بالكثير من المؤلفات والأبحاث إضافة لمساهماته الثرة في ترجمة الأدب الفيتنامي والصيني.. وله عشرات المخطوطات الهامة التي لم تر النور بعد..

ورغم سنوات عمره الـ85 وردة.. ما زالت أجندته الشخصية تحمل برامج عمل مكثف لمزيد من العطاء والإبداع.. ورغم النكسات و الهزائم التي تتتالى على العالم.. فما زال الأديب الملوحي رافعاً راية الإنسان عالياً، متحدياً «النظام العالمي الجديد» وكل جرائمه البشعة.. رابطاً القول بالفعل والنظرية بالممارسة.. وهو السياسي العتيق الذي لم تصدئه السنون.. وحمل عن جدارة لقب «الشيوعي المزمن» والإنسان الدافئ والحار..

مع عبد المعين الملوحي، كانت «لقاسيون» وقفة عبر اللقاء التالي:

** برأيكم ما هي العلاقة القائمة بين الأدب والسياسة . هل هنالك مسافة فاصلة بينهما؟

مدائح المرتزقة!

* علاقة الأدب بالسياسة، علاقة قديمة وثيقة، ولعل من أول مظاهر هذه العلاقة كتاب (الجمهورية) لأفلاطون، الذي عكس فيه أراء أستاذه (سقراط). إنه كتاب أدب وسياسة في آن واحد في القرن الخامس قبل الميلاد في اليونان، ولما كانت الخطابة نوعاً أدبياً فقد كان (شيشرون) في خطبه أديباً وسياسياً كذلك في القرن الأول قبل الميلاد في روما.

ويؤسفني أن هذه العلاقة تميزت في أحيان كثيرة بتسخير السياسة للأدب وذلك ما نجده قديماً وحديثاً في مدائح الشعراء المرتزقة للحكام، وما نجده قليلاً في تأثير الأدب في السياسة ويكفي أن نذكر كلمة (صلاح الدين الأيوبي) محرر القدس حين قال (إنما نُصرت بقلم القاضي الفاضل.)

لقد كانت كتابات الأدباء السوفييت في حرب التحرير الوطنية عاملا هاما في نصر الاتحاد السوفيتي وهزيمة النازية.

وتتجلى هذه العلاقة في هذا العصر في شكل واضح في (المدرسة الواقعية الاشتراكية) التي اعتنقها ووضع أسسها (مكسيم غوركي). فرواية (الأم) مثلا أدب رفيع وسياسة ثورية في آن واحد، ولاشك أن كل العصور الأدبية شهدت ممثلين للواقعية. ليست هنالك مسافة فاصلة بين الأدب والسياسة، حتى أولئك الذين يعيشون في (البروج العاجية) سياسيون من نوع معين، بمعنى أنهم يتركون للسياسيين المحترفين حرية التصرف بالشعوب.

وإذا كانت السياسة الحقيقية هي علم إدارة المجتمع، لا استعباده والتحكم فيه، فإن مهمة الأدب وصف هذا المجتمع أولاً ثم العمل على تطوره وتقدمه هو وأفراده ثانياً، وإلا كان هذا الأدب جعجعة.

** في البدء كانت الكلمة... ماذا يمكن للكلمة أن تفعل في ظل ما يسمى بـ(النظام العالمي الجديد)؟!.

ربط القول بالفعل

* لا يمكن للكلمة أن تفعل شيئاً إن لم تكن قولاً وفعلاً في وقت واحد.وعندما ورد في القرآن الكريم قوله تعالى:)إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) «سورة ياسين: 82» فمعنى ذلك أنه قرن القول بالفعل، ولم تبق الكلمة كلمة ليس لها مضمون. هيمنة النظام الاستعماري الرجعي الجديد لا يمكن أن يوقفها إلا نظام ثوري اشتراكي تقدمي جديد. والذي نراه اليوم من سيطرة الرأسمالية الطاغية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، لا تقضي عليها إلا وحدة شعوب العالم، وعلى رأسها المنظومة الاشتراكية، أو ما بقي منها- وا أسفاه-

** من خلال تجربتكم السياسية أطلقت على نفسك لقب «شيوعي مزمن» كيف ترى الشيوعية اليوم؟

يشرفني.. الانتماء!

* سقوط الاتحاد السوفيتي على يد الرأسمالية العالمية والصهيونية أصاب الحركة الشيوعية إصابة خطرة ولكنها غير قاتلة:

أ- ألحق الضرر بشعوب العالم الثالث التي كانت تجد فيه دعامة لها فأصبحت مكشوفة أمام العدوان.

ب- أضرت على الخصوص بأمتنا العربية.

ج- دمر روسيا تدميراً:

1- حولها إلى دولة مستعمِرة.

2- حولها إلى دولة من الدرجة الثانية على أحسن تقدير.

3- أصبح شعبها جائعاً.

4- حول بعض نسائها إلى بضاعة رخيصة.

5- جعل أطفالها الذين كانوا ملوكاً في الاتحاد السوفيتي مشردين في الطرقات.

منذ أيام عرضت الفضائيات مناظر لأطفال موسكو بين ثلاث سنوات إلى خمس عشرة سنة، وهم يجلسون على أرصفة الشوارع ويتسولون.

وذكرني منظرهم المخيف بصرخة (بوشكين) يا إلهي! ما أشقاكِ يا روسيا فقال له أحد أدبائها: روسيا تحت الأرض.

هكذا أصبح الشعب الذي بقيادة ستالين هزم النازية وأراق دماء 20 مليوناً من أبطاله، شعباً فقيراً مهزوماً.

أما ما يتعلق برأيي في الشيوعية اليوم، فهي في أحسن حال، رغم نكستها المؤقتة بسقوط الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية في شرقي أوروبا، وإن كان سقوطاً موجعاً. فما تزال في العالم، الصين الحرة وكوبا العنيدة، وفيتنام الباسلة، وكوريا الصامدة، بل لست يائساً من صحوة الشعب الروسي نفسه وثورته على وضعه المزري وعودته إلى الشيوعية التي جعلت من دولته دولة كبرى في العالم.

وإذا كنت قد أطلقت على نفسي لقب الشيوعي المزمن فما ذلك إلا لأني اعتقد أن الشيوعية هي مستقبل الإنسانية المشرق، وأن الرأسمالية سوف تكون عما قريب من مخلفات تاريخ الإنسانية الأسود، وإني ليشرفني ويسعدني أن أكون قد محوت سطراً واحداً أو كلمة واحدة من هذا التاريخ الأليم.

** بين حمص مسقط رأسك، ودمشق حيث العمل والإقامة، هناك ذاكرة لكلتا المدينتين... ماذا تقول لدمشق؟... وماذا تخبئ لحمص؟!...

حمص.. من أحجارها عظامي..

* بلغت من العمر 85 عاماً، قضيت منها:

1ـ في دمشق 50 عاماً

2ـ في حمص 29 عاماً

3 في مصر وحماة وحلب واللاذقية والصين 6 أعوام.

عبرت عن شعوري وحبي لدمشق في مقالين: من (دمشق إلى حمص) و(من حمص إلى دمشق) نشرتهما في جريدة الأيام 1961 ثم أعدت نشرهما في كتابي (نجوى حجر) عام 1971 فمن شاء عاد إليهما، ثم إني أودعت فلذةً من كبدي في «دحداح» دمشق.

أما حمص فقد نظمت فيها عدة قصائد ونشرت كتاباً عنوانه (نجوى حمص) عام 1998، ولي فيها مخطوط يبلغ أكثر من 500 صفحة أرجو نشره ذات يوم، ويكفي حمص أن من أحجارها عظامي ومن ترابها لحمي، ومن عاصيها دمي، ومن رياحها العاتية جنوني، ومن حفيف أغصانها عاطفتي، ومن قلعتها الشامخة إبائي....

 

* أجرت اللقاء: نوار موسى