كمال مراد كمال مراد

في الذكرى الرابعة لرحيله: احتفالية «المدينة الفاضلة» تحت سماء سعد الله ونوس!

»حصين البحر».. بلدة هادئة صغيرة.. شامخة على هضبة قبالة البحر... أهلها الطيبون.. فلاح يغرس زيتوناً.. بحارٌ.. وحكايا صيد.. وشباك فارغة ووفيرة... شاب يحمل كتباً وأوراقاً.. طفل يلهو.. ما بين الجبل والبحر.

»نحن محكومون بالأمل»!!

»حصين البحر».. لفها الحزن مرة.. وحمل إليها صخباً لم تعهده.. أحال الموت عرساً ينفض الهدوء عن حضن الجبل.. لتشمخ الذكرى.. وأي ذكرى... ذكرى الذي لم يغب... حلقَّ بنا عالياً.. كما تحلق نوارس البحر.. ليعيدنا إلى أنفسنا بكلماته البسيطة الواضحة:

»نحن محكومون بالأمل.. وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ»

  قادماً من البحر!!

وهناك.. في الحضن الدافئ والقاسي يجتمعون.. يجتمعون على أمل.. على أمل التواصل.. يرونه قادماً من البحر نافضاً عن كاهليه عناء الحزن.. متشبثاً بأمل عاش عليه سنوات طوال.. مقدماً لهم فيه عصارة فكره وقلبه... وعنده.. عند سعد الله اجتمعوا.. ولم يفرقهم لهيب الشمس والزحام وقسوة بعض المفردات.. لأنهم جاءوا ليجتمعوا عند سعد الله وبجوار صاحب «الوليمة».. وكفى..

»المدينة الفاضلة»!

»عند سعد الله لنلتق».. إنه عنوان النداء الذي تكرر للسنة الرابعة في ذكرى الرحيل.. ولبى النداء نحو خمسة عشر ألف محب.. جاءوا من أرجاء سورية.. ومن العديد من البلدان العربية إلى مسقط رأس سعد الله ونوس لتغدو «حصين البحر» مدينة فاضلة يحكمها أهل الأدب والفكر في احتفالية مهيبة.. تنسى من خلالها لساعات قليلة غبار الإسمنت ومعاناتها اليومية..

وقبل ساعات من بدء الاحتفال توافد الأصدقاء إلى ملعب البلدة بعد أن ضاقت باحة مدرسة القرية، التي كان يجري بها الاحتفال في السنوات السابقة، وهي المدرسة التي درس فيها سعد الله.. ولم تمنعهم حدة الشمس من انتظار البدء..

رسائل.. وقبسات!

وفي بداية الاحتفال، قرأت رسائل الأصدقاء الذين يحيون الذكرى.. وكانت من عزمي بشارة ومحمود درويش وسميح القاسم ومريم أبو دقة ونضال الأشقر ورسالة من شباب الجولان السوري المحتل..

وبمشاركة مسرحيين سوريين أعدَّ الفنان نضال سيجري قبسات من مسرح سعد الله ونوس لنص «المقهى الزجاجي» ضمن تقنية فنية رفيعة المستوى..

مارسيل خليفة.. سنغني للفرح

وتألق الاحتفال بمشاركة حميمية من الفنان مارسيل خليفة.. وقبل أن يبدأ الغناء.. قال:

»نجتمع الليلة تحت سماء سعد الله ونوس.. إننا محكومون بالأمل.. ولهذا نحن الليلة معكم.. سنغني للفرح.. سنغني لفلسطين».. وتمنى على الحضور قليلاً من الصمت، وكثيراً من الحب..

وكانت أولى أغنياته وثانيها للأم الفلسطينية. حيث ابتدأ بأغنية «يا حادي العيس» وبعدها «أجمل الأمهات» وشارك الحضور بالغناء بأعصاب الحناجر.. وعلا الصوت بالنشيد.. صامدون هنا.. مرات ومرات... وبعدها أغنية محمد من كلمات الشاعر الفلسطيني محمود درويش..

حاكموا يوسف.. وحكموا!!

وقبل أن يبدأ بأغنية «يوسف» قدم الفنان شكره قائلاً: «شكراً لتضامنكم مع أغنيتكم ووجدانكم.. عندما حاكموا يوسف وحكموا».. وأهدى الأغنية إلى الشعب الفلسطيني..

وبمناسبة عيد الطفل العالمي الذي صادف يوم الاحتفال، أهدى أغنية «كان في مرة طفل صغير» للأطفال المتواجدين في الاحتفال، قائلاً «بلكي الكبار بيتعلموا منها شوي»..

وعند تقديمه لأغنية «ريتا» ساد الاستماع العميق والجليل الجمهور الكبير.. لتعود الحماسة مجدداً مع أغنيته الثائرة «منتصب القامة أمشي»..

واختتم الفنان مارسيل خليفة مشاركته بأغنية «شدوا الهمة» التي امتزج بها صوته مع أصوات الجميع بتناغم مدهش..

فسحة للروح

وعند نهاية الاحتفال ضاقت شوارع البلدة، رغم اتساعها، في مرور الحافلات والسيارات.. ورغم الازدحام.. كانت الوجوه عامرة بالفرح والعزم والبهجة.. وقليل من الحزن لمفارقة هذا الجمع الذي يتوسع عاماً بعد عام على أمل المجيء في الاحتفالية الخامسة، كما اعتادوا، بعيداً عن الخطابية والنواح المجاني، بما يليق فعلاً بقامة الراحل الكبير بعد أن أصبح سعد الله ونوس مُلْكاً للجميع وفسحة للروح لا تعكرها بعض المفردات الرخيصة...

الأمل الأكيد..

تحية لذكرى سعد الله ونوس، الراحل المبدع.. والأمل أكيد في غد مشرق آتٍ لا محالة رغم الانكسار والهزيمة..

 

أليس هو الذي قال: «إن هزيمتنا الراهنة لا تعني بأي حال من الأحوال أن القيم التي كنا ندافع عنها، ونحاول ترسيخها في واقعنا، كانت خطأً، أو وهماً ينبغي أن نهمله، أو أن نعيد النظر فيه كما يشجعنا سادة ومنظرو النظام العالمي الجديد»..