برامج الـ (real T.v) تغزو الفضائيات العربية: التلفزيون يسوق للواقع أم الواقع يسوق للتلفزيون
منذ وصول برنامج ستار أكاديمي إلى الوطن العربي على LBC راح الكثيرون يتحدثون عن هذا البرنامج كمنافس لبرنامج سوبر ستار على future كنتيجة طبيعية للتنافس القديم بين هاتين الفضائيتين اللبنانيتين، وما تمثلانه من علاقات، ومع مرور الوقت اتضح أن هذا البرنامج لم يكن قريباً بأي شكل من الأشكال من برنامج سوبر ستار، بل يختلف عنه تماماً فهو لا يصنع نجماً فقط بل يصنع نمط أو طريقة حياة.
نحن نقبل الحقيقة التي يعطيها الآخرون لنا:
نحن نحب أن نراقب الآخرين وما التلفزيون إلأّ ثقب صغير نستطيع أن نتلصص منه على حيوات الآخرين، وما فكرة الجدار الرابع في المسرح إلاّ تثبيت لهذا الحديث، نحن نحب أن نراقب أن نتلصص. فالأمريكيون على سبيل المثال يغرمون بسماع برامج الـ(talk shows) ليسمعوا مشاكل الآخرين ويتحدثوا عنها في اليوم التالي، والفرنسيون يرغبون في مراقبة أحداث الشوارع فيقفون في طوابير، وفي بلدان الشرق يحب الجميع الحديث عن مشاكل الغير وإيجاد حلول لها، لا يوجد شعب يحمل خصوصية بعيدة عن تلك فالجميع يحب أن يراقب وينقل الأحداث، وما مشاهد الحرب التي كان العالم كله يتابعها على مر السنين إلاّ دليل واضح على ما أقول. وما التلفاز الحقيقي إلاّ استمرار لهذا الفعل. نحن نتقبل حقيقة الحياة وأنا لا أتحدث عن الحقيقة المجردة، بل تلك التي يقدمها لنا الآخرون، الحقيقة التي نراها هي تلك التي يقدمها لنا الآخرون، أما من هم الآخرون فهذا سؤال آخر.. كحقيقة الحلم الأمريكي، أو حقيقة واقع العيش في البلدان الأوربية .. إلخ.. إنها حقيقة يقدمونها لنا، هذا ما قاله عالم النفس الذي رافق برامج التلفزيون الحقيقي أو التلفزيون الحي في أميركا وأوربا منذ بداية ظهورها، بأشكالها البدائية كالكاميرا الخفية، وبرامج الحوارات اليومية، وراقب تطوراتها إلى أن وصلت هذه البرامج إلى مراحل غاية في التطور ومنها برامج بدأت تصدَّر إلينا، كبرنامج مصنع الخوف الذي بث في أكثر من بلد وسيصل قريباً إلى الوطن العربي، وبرنامج ستار أكاديمي الفرنسي والذي وصل إلىLBC ، وبرنامج وقناة على الهوا سوا تصنيع وتجميع الوطن العربي، وبرنامج big brother الذي وصل إلىإلى2 ، وغيرهـــا سيل من برامج التلفزيون الحقيقي.
أنت الحكم أنت قاضٍ أنت إله:
يبدأ هذا النوع كما بات معروفاً للأغلبية مع مجموعة تعيش في مكان واحد، يتناولون الطعام معاً يستيقظون معاً ويمارسون حياتهم اليومية معاً، -باستثناء التقسيم الجنسي الموجود في البرامج التي أعيد تصنيعها في الوطن العربي- وخلال ممارسة هؤلاء لحياتهم يبدأ الجمهور بالتعرف عليهم رويداً رويداً، وهنا تأتي شرعية البرنامج من كافة الناحي من الناحية الاقتصادية الربحية، ومن جهة تأكيد شرعية هذا البرنامج، فيتم اختيار بعض المشاركين كي يخرجوا من البرنامج، وكي ينقذ هؤلاء يتم ذلك عبر عملية تصويت واسعة عبر الهاتف لمصلحة واحد من المشتركين، فتخرج مجموعة ويبقى واحد، أو العكس تبعاً للبرنامج، وحسب الدكتور (سيلفي ربلت) فإن القدرة التي يمتلكها المشاهد على إنقاذ شخص من الخروج من البرنامج، توازي القدرة على إنقاذه من الموت وعبارة تقرير مصير المشاركين بيدكم، تحمل الكثير من المعاني فالمشاهد هنا هو قاض، هو حَكَم هو إله..
إن هذه الشرعية المزيفة التي يمنحها الرأسمال العالمي الجديد للشعوب عبر أجهزته ليست إلاّ قناة جديدة من قنوات التفريغ اللامتناهية، حسب الدكتور سيلفي..
الجميل والإدمان:
وكأي ظاهرة تلفزيونية جديدة، أصبح هذا البرنامج حديث كل الناس كما حصل سابقاً مع الفورة التي أحدثتها ماغي فرح أو ميشيل قزي أوز جورج قرداحي أو برامج رزان مغربي المنوعة.. إلخ من البرامج المنوعة التي تطفو إلى السطح بين فترة وأخرى إلاّ أن المشكلة في برامج التلفزيون الحي أو الحقيقي هو أنها مصممة بالكامل كي يدمن عليها المتفرج، فهي تحمل كافة مكونات الدراما الأكثر تشويقاً، والتي لا تشد المتفرج فقط بل تجعله يدمن على مشاهدة كافة التفاصيل ومراقبتها والحديث عنها باستمرار. وفي مقال لماري شا، فإنها تصف كل شيء بالتفصيل بدءاً من الألوان التي تقدم في هذا البرنامج فالتجاور الحاصل بين الألوان الباردة الساخنة، يملك تأثيراً كبيراً على عين المشاهد، كما أن لون غرف النوم ودلالاتها توحي دائماً بشيء سيحصل قريباً، لذا كثيراً ما ينادي مشاهدو هذا البرنامج لبعضهم عند الانتقال إلى غرف النوم و هم في حالة ترقب -في البلدان الغربية طبعاً-، كمات شكل وطبيعة الديكور القريبة من شكل ديكور البيت الأمريكي في فضاء مفتوح على بعضه (المطبخ غرفة الجلوس) دون صلة واضحة مع الخارج وقدرة المشاهد على التلصص تمنحه بعداً إضافياً والمزيد من التشويق، لتنتقل (شو) بعد ذلك إلى السيناريوهات المكتوبة، وهو أمر يجهله الكثيرون، فبالرغم من تلقائية أفعال المحتشدين داخل الاستوديو فإن من يقف وراء البرنامج يملك سيناريو مكتوباً حول كل تفاصيل ما يحدث، وهذا السيناريو يقول ما يريده في النهاية.
الفعل ورد الفعل:
منذ وصول برنامج ستار أكاديمي احتل صفحات الكثير من الصحف، وكان أكثر ما كتب من أسماء تعمل في النقد التلفزيوني توضح أن هذا البرنامج جاء كي يفرض علينا نمط حياة غريب عنا وكي يخرب عقول المشاهدين، وكانت جميع الآراء تصب في اتجاه واحد تسويق للحياة الغربية في وطننا العربي وهو نمط لا نقبل به، إلاّ أن للشارع كلاماً آخر. فرداً على أسئلتنا حول البرنامج كانت الردود متناوبة.
●فسليم أجاب: أود التحدث عن برنامج على الهوا سوى، فالبرنامج عبارة عن تصويت من قبل الشباب العربي أو النفطي عن (8) فتيات يظهرن بمظهر مخجـــل ثـــم يجمعن هولاء الفتيات لمده معينه داخل بيت تجول به عين الرقيب الفاجر ويبثها للعالم العربي حتى يتم التصويت لواحدة فقط ويزفها لأحد الشباب العرب المنكوس مع دفع كامل التكاليف الأحتفالية. ما رأي ....
●صديقه سميركان أكثر تحفظاً: (عند عزل التجربة والتفكير بها كرهان خاص يتمثل في تطبيقها في الوطن العربي قد يبدو الرهان خاسراً والفكرة مرفوضة، فالواقع القريب يؤكد ان مجتمعاتنا العربية مازلت محصنة ضد ذلك النوع من التلاعب وان سياجها متين وفتياتها وفتيانها لديهم من الوعي والكرامة وعزة النفس، ليخولهم الرفض لجميع المغريات التي تدفعهم ليكونوا أدوات طيعة في لعبة يكونون فيها مجرد قطع شطرنج).
ومن الرفض الكامل لهذه البرامج قد يجد المرء بعض المحبين لهذه البرامج: مجموعة من الشباب المراهقين رأت في هذا البرنامج واحداً من أجمل برامج التلفاز على الإطلاق، وراحوا يتحدثون عن كل المشاركين في البرنامج بطريقة تدعو إلى الاستغراب عن مدى تعلقهم بهذا البرنامج. وأرسل بعضهم تحياتهم إلى السوريات المشاركات في كلا البرنامجين (على الهوا سوا) وستار أكاديمي.
إلاّ أن الأغلبية الساحقة من الشارع البسيط رأت في هذه البرامج مفاسد لا أكثر فيسأل محمد شاب جامعي: (ما هو المجتمع الجديد الذي سيكون نتاج مثل هذه الزيجات طبعاً جيل تربى على...).
وتشمل رنيم فتاة محجبة سوبر ستار في حديثها: (هذه القناة مجرد مشروع استعماري مثل برنامج الـ «سوبر ستار» وأرجو من جميع الشباب العربي ان لا ينشغلوا بهذا البرنامج السخيف والشيق بنفس الوقت مع الأسف)
وتضيف صديقتها التي رفضت أن تعطينا اسمها (عندما نتحدث عن برنامج الفساد أكاديمي أو عفواً «ستار أكاديمي» يكون النقد الموجه لبنات الهوا سوا ظلماً فادحاً!!!..أنا لا أتمنى أن تكونوا من المتابعين لهذا البرنامج لأنه يؤثر فعلاً على العقلية العربية).
نديم بائع (ألهذه الدرجة وصل الأنحلال .. تصرفات البنات ولباسهم لا يمكن لأي فتاة «عاقلة» أن تتصرفه حتى لو كانت في بيتها!!)
وبينما حاول البعض طرح رأي نقدي مطول اختصرنا من حديث رائف الذي يحاول الاستعراض أمام صديقته في شارع الشعلان: إن ما يعرض صورة مشوهة لأي برنامج يهدف إلى اكتشاف الهواة، وبالتأكيد فانه لا يوازي الأصل الفرنسي، إن نجاحات البرامج في الخارج لا تصلح بالضرورة عندنا، وذلك واضح من طبيعة البرنامج، لم نعد نعرف هل المقصود تقديم «ستار» في الغناء، أو خفة الظل، أو الأناقة، أو الحركات، أو الرقص، أو التشاجر، أو...، أو الإنسان السوبر، الذي لا تشوب مظهره أي شائبة، أو الشاب النموذج، الذي يجب أن تقتدي به الأجيال، أو الصوت الذي لا مثيل له على الكرة الأرضية.
آراء على الإنترنت:
إلاّ أن المفاجأة في رد الفعل كانت على الإنترنت، فرد الفعل على البرنامج كان معاكساً تماماً لكل التوقعات فبدلاً من تسويق نمط الحياة الغربية كان رد الفعل قاسياً جداً إلى درجة أن مجموعة قامت بتأسيس موقع خصيصاً لمناهضة هذا البرنامج مع العلم أنه لا يوجد إلى الآن موقع لمناهضة العولمة بقوة هذا الموقع: وهذه بعض المقتطفات من الحوارات التي تدور على الإنترنت من مجموعة من مواقع الحوار والدردشة العربية هي (أصداف)، (بحور الألم)، (الوطن) وأهمها موقع (لا لستار أكاديمي)..
زائر: القناه هذي ماهي قناه عربيه قناة لبنانيه صهيونيه وياليت اسرائيل تحاربهم مره ثانيه الكلاب هذولا.
زائر: والله هى القناة دى شكلها كدة تمويل اوربى او صهيونى وغرضه الله اعلم ولكن الأهم من كدة انهم كبنات مش بيمثلو بنات العرب هم بيمثلو نفسهم وبيتهم والبيئة بتعتهم وشكرا
زائر: بصراحه البنات حلوين بس رنا حقيره ونذله، صح السوريين انجاس وقلبهم دايما قاسي قطع، واللبنانيين مهضومين اموااااااااااااااااااااه وهذي بوسة حق لبنان.
زائر: فشلتونا امام الناس ما تعرفون ربكم وين الاسلام كله راح صراحه (بيختونها عدل) يرقصون ويلعبون ويشربون الماء في المراضع.
أم أسامه: والله ان القلب ليحزن وان العين لتدمع لرؤيه هذه المهزله والمحزن والمؤلم أنهم شباب عربي وفيهم المسلمين. اين انتم يا رجال الدين المثقفين الغيورين على هذا الدين وعلى شباب المسلمين وهذا الموضوع كبير ومن الهجمات المروعه على الدين والعرب عامه.
s-arabi: فأنا لا ألوم هذا الجيل الذي قبل أن يتأثر بالغرب وبراجه فقد تأثر بأهله أهل هذا الوطن العربي. لذلك قبل أن ننتقد ونلوم الشباب المشاركين.. يجب أن نلوم البلدان العربية التي لم تضع البرامج الجيدة للشباب..
أمل: أنا برأي ستار أكاديمي كتير مفيد.
عدنان: لا اعتقد اننا في زمن يسمح بالتفكير في برامج تعيق العرب عن أداء أقل ما يجب عليهم القيام به ......فنحن في زمن سلب الكرامه.
هذه الآراء تمتد من المحيط إلىالخليج، بالإضافة إلىعرب مقيمين في الأمريكيتين، وأستراليا وأوربا... إن رد الفعل إلى الآن يبدو مغايراً للتوقعات، ولكن بعودتنا إلى الدكتور المتابع لبرامج التلفزيون الحقيقي فإنه يقول إن ردات الفعل المختلفة في الشارع متوقعة تبعاً للبيئة التي يوضع فيها البرنامح، إلاّ أن ما يتسلل إلى اللاوعي هو الحقيقة التي أتحدث عنها.
في نهاية فيلم true man show لجيم كيري يكسر كيري الطوق الذي وضعه حوله معد البرنامج ويقرر اختيار مصيره بنفسه، فيقلب المشاهدون القناة ليشاهدوا برنامجاً مختلفاً، بينما يطرح أصحاب نظرية المؤامرة رأياً مختلفاً .. أليست الحياة كلها تلفزيوناً حياً.... يتحكم بها ثلة من الأشخاص.
■ تحقيق عمرو سواح
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.