احتجاجاً على الأسبوع الثقافي الفرنسي في اللاذقية
بعد كل الذي حصل، ويحصل في العراق يأتي السيد مستشار التعاون والعمل الثقافي في وزارة الخارجية الفرنسية السيد جمال أوبيشو ليخبرنا نحن الفنانين المشاركين بالأسبوع الثقافي الفرنسي في اللاذقية، والذي سيقام اعتبارا من 3 إلى 9 أيار 2003. أنه من غير الممكن قبول أعمال تنتقد سياسة الولايات المتحدة الأمريكية ضمن المعرض الفني في هذه التظاهرة الثقافية.!!
لقد أثار هذا التصريح استغرابي واستنكاري الشديدين، وخاصة أن موقف فرنسا كما نعلم كان واضحا، وهي من الدول القليلة التي وقفت أمام أمريكا، وقالت لا للحرب. رسميا، وشعبيا.... ما الذي حصل ؟لماذا هذه الشروط المهينة، وفي عقر دارنا ؟ لماذا جهة مثل فرنسا (ممثلة بالسيد المستشار) تدعي ما تدعيه من الحرية والديمقراطية، وحرية الفكر والمعتقد و.. و..و.. و... و كل الشعارات التي رفعتها الثورة الفرنسية وأصبحت منارا تهتدي بها الشعوب، والأمم المظلومة في كل أرجاء العالم. تمنع عرض لوحات تنتقد السياسة الأمريكية؟؟
السيد المستشار كان يردد باستمرار. إن أي عمل ضمن المعرض ينتقد السياسة الأمريكية (وبهذه الظروف بالذات)، سيبدو وكأن فرنسا تتبنى رأياً كهذا، وكان ردي انه (بهذه الظروف بالذات) لا أستطيع قبول شرط كهذا. و أنا أعتبره شرطاً مهيناً لي ولبلدي ولكل المشاركين، وأعلنت انسحابي، وإلغاء مشاركتي بالمعرض، فما كان من السيد المستشار وبعد حوار طويل إلا أن صافحني مبتسما وهو يغادر قائلاً لي: «إنني احترم رأيك ولكن لا مجال لغير ذلك». فضحكت في سري وقلت: «الحمد لله أنه لا يملك السلطة لمحاكمتي (ديمقراطياً)، وزجي في سجن (ديمقراطي) كما فعلوا مع (روجيه غارودي) منذ عدة سنوات في باريس (الديمقراطية)، وخاصة أن الصواريخ (الديمقراطية) الأمريكية كانت تنهال على بغداد بآلاف الأطنان (الديمقراطية) وتفتت لحم الأطفال (غير الديمقراطيين) وتحولهم إلى جثث (غير ديمقراطية)».
ورغم كل ذلك تفهمت موقف السيد المستشار وقدرت أن الرجل يعمل لمصلحة بلده كما يقول، وفي النهاية لا أستطيع أن أطالبه بأن يتبنى موقفي، وموقف بلدي إن لم يقم بذلك من تلقاء نفسه.
ولكن الذي أذهلني وأدهشني أكثر، موقف بعض الفنانين الأصدقاء الذين تواجدوا أثناء هذا الحوار، فبدلا من التضامن معي وإعلانهم موقفا مشابها، وجدتهم يجلسون بحيادية عجيبة وكأني من كوكب، وهم من كوكب آخر، بل تقدم البعض باقتراحات لحل الخلاف. مثل أن أقوم بعرض لوحاتي على السيد المستشار ومن ثم يقرر هو ما المناسب منها فيعرض و يستثنى باقي اللوحات غير المناسبة من وجهة نظره، وفوق ذلك اعتبر البعض أن هذه المشكلة تخصني أنا بالذات، وهي مشكلة شخصية بيني وبين الفرنسيين. ولم أعلم إلى الآن أين الأمر الشخصي في الموضوع وما هي مصلحتي الشخصية من هذا الموقف. ولم يستطيعوا أن يفهموا أن المشكلة بالموقف وليس باللوحات بالذات رغم محاولاتي المتكررة لشرح ذلك.
لهؤلاء الأصدقاء أقول: «إن الناس الذين خرجوا للتظاهر ضد السياسة الأمريكية في العراق والحرب على العراق في كل أرجاء العالم. من المكسيك وايطاليا وكوريا واليابان واستراليا وألمانيا وروسيا وكل أنحاء العالم وذاقوا طعم الهراوات (الديمقراطية) على رؤوسهم . لم يكن لهم مصلحة شخصية لفعل ذلك بل اعتبروا أن الأمر يعنيهم، ويجب أن يعبروا عن موقفهم.
أخيرا أحب أن أذكّر أصدقاءنا الفرنسيين بقول الكاتب الفرنسي الشهير فولتير: » قد لا أكون متفقاً معك بالرأي ولكني على استعداد لأن أدفع حياتي ثمناً كي تستطيع قول رأيك«.
فأين هم الآن من هذا القول؟؟.
اللاذقية في 25/4/2003
■ عصام حسن ـ رسام كاريكاتير
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.