لقاء مع الأديبة نهلة السوسو: لن تقفز الدراما فجأة فوق أزمتها!
■ من مميزات الدراما: التطويل سذاجة المونتاج وسطحية الحوار
■ المنافسة المصرية والسورية على الدراما حكاية شبيهة بالميلودراما
صحفية، وكاتبة قصة، وإعلامية. لها أربع مجموعات قصصية: «ست زهرات بيضاء» (وزارة الثقافة - دمشق)، «سوار دالية»(اتحاد الكتاب العرب - دمشق)، «طقوس موت وهمي» (اتحاد الكتاب العرب - دمشق)، و«قمر أخضر» (مركز الإنماء الحضاري - القاهرة).
تعد نهلة السوسو واحدة من أقدم وأهم الإعلاميات السوريات. وهي تعمل في إذاعة الجمهورية العربية السورية منذ ما يربو على ثلاثين عاماً. حالياً، تقوم بإعداد وتقديم برامج متعددة، منها الحوارية مثل: «نهر وروافد»، «نقطة حوار»، وغيرها، ومنها الدرامية مثل: «شخصيات روائية»، و«مفاتيح لأبواب مغلقة».. كذلك تقوم بتقديم برنامج «في رحاب العربية»، بالإضافة إلى قراءة نشرات الأخبار، وما يتبع ذلك من العمل الإذاعي. كما تعمل الآن مراقبة للنصوص الدرامية الإذاعية.
■■ بعد شهر رمضاني حافل بالمسلسلات ما هو تقييمك للدراما العربية في هذا الشهر؟
■■ لم نعتقد أن الدراما العربية ستقفز فوق أزمتها وعيوبها بشكل فجائي، ارتباطاً بزمن أو شهر؟ الميزة الوحيدة التي أراها للدراما العربية هذه السنة هي وفرة الانتاج التي سببت مشكلة لجمهورها، لأنها احتشدت على خريطة العرض وتداخلت في أوقات البث، خاصة وأن كل الفضائيات اقتنت نفس الأعمال تقريباً. فكان بوسعك أن تتابع كل مسلسل على مدار الأربع والعشرين ساعة. علماً أن عيوب التطويل وسذاجة المونتاج وسطحية الحوار هي من مزايا الدراما العربية التي لم تستفد من تطور الأعمال التلفزيونية العالمية الجيدة.. وظني أن هذا نابع من بنية المضمون الذي يتحاشى ملامسة مشاكلنا الحقيقية، وهذا بدوره يقودنا إلى الرقابة، والرقابة بدورها تحيلك إلى بنية عقل النظام العربي، وإلاّ ما كانت أحداث فلسطين والعراق وتهالك النظام الرأسمالي قد غابت تماماً عن الحدث الدرامي العربي.
■■ هل تعتقدين أن الدراما السورية ابتعدت نهائياً عن مجال الفن لتتحول إلى صناعة بشكل بحت؟
■■ العمل الدرامي يشبه الكتاب الذي يقدم للقارئ فإذا لم يكن عنوان الكتاب وغلاف هذا الكتاب جذاباًَ ركن على رف المكتبة، وإما نسي، أو قرىء في ظرف غير عادي كالمرض، أو استذكار مرجع لموضوع ممل وغير جماهيري!! أقول هذا الكلام مسترجعة الدراما السورية التي لم يستوقفني فيها شيء على الإطلاق سوى بقعة ضوء .. فحين كنت أتنقل سريعاً بين المحطات الكثيرة لم يكن يستوقفني مشهد ساخن أو جذاب، عدا تجربة الشباب الممتازة في بقعة ضوء، التي أفادت من تجربة مرايا (ياسر العظمة) وطورتها وتجاوزتها، بينما بهتت المرايا الجديدة واستطالت وعجزت في الكثير من حلقاتها عن قول شيء جديد ولن أدخل في تفاصيل المقارنات كأداء الممثلين والحوار والإنتاج، وغياب التمثيل لمصلحة النجم الواحد الذي يغطي بعباءته بقية الممثلين (مع احترامي الشديد وحبي وإعجابي اللامحدودين لياسر العظمة)…
تسألني إذا كانت الدراما السورية ابتعدت عن الفن إلى الصناعة، لكن ما هو الفن؟ أليس هو الصناعة الراقية للفكر؟ وماذا تجد في إجابتي عن هذا السؤال أليس اختفاء الفن تحت ركام من الاختلاق والاستمرار في بدعة الجزء الثالث والرابع والخامس .. وفي وضع العناوين قبل التفكير في المقولة والحدث. إنه وضع العربة أمام الحصان ولو أننا تحولنا إلى صناعة العمل التلفزيوني حقاً لوجدت ورشات عمل ودورات كتابة السيناريو وعناية خاصة بهذا الفن وتوظيفه في خدمة الثقافة المعاصرة التي استيقظنا عليها شبه متأخرين فوجدنا أمامنا تحديات هائلة بدءاً من مشاكل الأمية والتنمية والعولمة وانتهاءً بالصراع العربي الصهيوني… ولما تركنا بعد عقود من الزمن هذه الساحة الهامة جداً للاجتهادات الفردية والشركات التي تولد ثم تنقسم فوراً على ذاتها (بنفس أسلوب الأحزاب السياسية).
■■ الكثافة الكمية في الإنتاج التلفزيوني هل تصب في إطار هدف أو مقولة واحدة أم أنها تخرج بشكل عشوائي دون ناظم ينظم هذه العملية الإنتاجية؟
■■ الثقافة العربية عموماً تسبح في تيار الحيرة وفقدان التوجه والبوصلة. المثقفون العرب منكمشون يعانون من الحذر لكأن الخوف يشلهم وأنت تعلم أن صوت المثقف في العالم خفت عموماً بسبب هوجة الجنون الأمريكية التي بدأت تخرج من الحياء والتستر والمداورة لتستلقي علناً في أحضان الصهيونية العالمية .. وإذا خرج صوت مثقف جريء ذي موقف تردد هذا الصوت بأصدائه المذهلة في كل أرجاء العالم كما كان صوت ماركيز المتضامن مع الانتفاضة، لكن إذا كنا محارَبين من كل الأبواق الرسمية الأمريكية والغربية ما قيمة صوتنا إذا قلنا لا؟ وإذا كانت ثقافتنا تعاني في أصلها من الخمول والجمود، وإذا كان المثقف هو آخر من يحظى بالاهتمام والرعاية والمكافأة وإذا كنت فنوننا حتى اليوم لا تلقى الدعم المادي والمعنوي الواجب فلم نطالب الإنتاج التلفزيوني بالمعجزات، وهو جزء من بناء عام؟
■■ بدأت معالم المنافسة بين الدراما المصرية والسورية تتجلى بشكل أوضح واقتربت من شكل الصراع، من جهة الإنتاج كثافته ونوعيته، هل سيؤدي هذا الصراع إلى تراجع في حركة الدراما أم إلى تطورها؟
■■ ما هذه المنافسة المفتعلة بين الدراما السورية والمصرية؟ منذ سمعت ورأيت فصولها الأولى بدت لي حكاية شبيهة بالميلودراما التي تفتعل الحدث وتستدر الانفعال والدموع! ألا يمكن أن نتحدث عن دراما عربية بدل لصق الصفات القطرية فيها؟ لم لا نحترم بحق تراكم التجربة العربية حتى لو جاءت بلهجات مختلفة. أنا أرى هذا التصنيف وهذا الافتعال غير نظيف على الإطلاق وأخشى ما أخشاه أن نشم من افتعاله روائح الشعوبية في عصر زهو الحضارة العربية الإسلامية. الصحافة العربية نشطت في عصر التنوير وتداخل فيها الصوت العربي الواحد خاصة في بلاد الشام ومصر. هل نحتاج اليوم إلى المزيد من التمزق؟ لقد مزقنا سياسياً وعسكرياً واقتصادياً فليبق لنا هذا المجال الوحدوي الذي منحتنا إياه نعمة لغتنا العربية الواحدة.
■■ أصبحت الدراما التاريخية واحدة من الثوابت في الدراما السورية إلاّ أنها أخذت تغير في فهمها وتوجهها وتتبنى فلسفة مغايرة لما اعتدناه، فهل تعتقدين أن هذا التغيير جاء قسرياً من الخارج، أو أنه جاء طبيعياً كنتاج للتطور الحاصل في الدراما السورية؟
■■ أرجو ألا يكون سؤالك باتجاه الحديث عن رموزنا القومية خاصة أن سياق السؤال، داخل في التاريخ تحديداً ! في الغرب يحطمون رموزهم الكبرى انطلاقاً من قيمهم التي انتقد فيها غياب القيم الروحية التي نتمتع بها، وإذا كان بوسعهم تمزيق تلك الرموز ووضعها على طاولة التشريح فإن نظمهم قوية بما يكفي، أما نحن فعلينا أن نكون حذرين جداً حين نتناول رموزنا لأننا نحتاج إلى إشعاعهم الروحي، وإلى لأم جراحنا التاريخية العميقة .. ويكفينا ما حولنا من خناجر التمزيق والتشكيك حتى بالنبي محمد (ص) نحن نحتاج إلى كل قادتنا ومفكرينا وفلاسفتنا العظام بأجلى صورهم لأن النجم ينير ظلمة حياتك فهل تحتاج وأنت تسير في نوره إلى من يذكرك بأنه حجارة وتراب؟ نحن لا نؤله رموزنا، بل نبجل فيها النبل والعظمة وما نحتاجه من قيم كي ننهض من كساحنا وعبر التاريخ كان للقادة في كل عصر وكل مكان، الأثر السحري في توجيه الأمم والشعوب.
■ حاورها ع.س