ثقافة الطفل ....ولزوم ما لا يلزم!
هل يوجد لدينا ثقافة طفل؟
هل يوجد مسرح، سينما، برامج تلفزيونية، كتب، مجلات .....الخ تعنى بثقافة الطفل؟
هل نتجنى على أحد إذا قلنا لا؟
إن أي إحصاء لمقدار ما يتلقاه الطفل من ثقافة عبر الوسائل الرسمية وغير الرسمية يشير إلى أن مجمل ما يتلقاه الطفل العربي من وسائل الإعلام المختلفة يتراوح ما بين صفر وواحد بالمائة، وإذا سلمنا سلفاً بهذه النتيجة، نتساءل هل هذا المقدار من الثقافة الذي يتلقاه الطفل هو جيد ومفيد أم هو شكل من أشكال الانحطاط في أدب وثقافة الكبار؟
لا شك أن هناك مساعي حقيقية لدى جهات عربية عدة معظمها جهات خاصة وأهلية لسد هذا الفراغ الهائل، إلا أنها لا تكفي وحدها دون رعاية من الجهات الرسمية.
ففي سورية على سبيل المثال، لا يوجد إلا مسرح واحد للأطفال في مدينة دمشق وهو قبو مدرسة (اللاييك) ويعود تاريخ هذ المسرح إلى الفترة الفرنسية وهو لا يصلح فنياً ولا صحياً لهذا الاستخدام، أما باقي المحافظات السورية فلا تعرف ما هو مسرح الطفل إلا من خلال الفرق الزائرة أو بعض التجارب الفردية للهواة. بالنسبة للكادر الفني فهو ليس أفضل حالا" إذ لا يوجد إلا مخرج واحد للعرائس يحتكر العمل ضمن مسرح العرائس، ويعيق أي متقدم إلى هذا المجال.
وعلى الرغم من كثرة الهيئات التي تدعي العمل على ثقافة الطفل إلا أنها في مجملها هيئات شكلية وغير فاعلة مثل مسر ح الطلائع والمسرح المدرسي، وهي لا تضم في كادرها أي متخصص في المسرح.
هذا الوضع لم يتنبه له أحد في سورية ولم يطالب أحد بتغييره، بل تكرست حالة تغييب المسرح وكأنه نشاط ترفيهي فقط لا يعنى بتنمية الثقافة والذوق لدى الأطفال.
أما صحافة الطفل فكانت أوفر حظاً بعد صدور قانون المطبوعات، إذ لم يكن في سورية سوى مجلة أسامة، وهي مجلة تصدر عن وزارة الثقافة، ولهذه المجلة فضل كبير في هذا الحقل، إذ لم يتعرف الطفل السوري على المجلات إلا عبرها، وقد تناوب على رئاسة تحريرها كتاب كبار من أمثال زكريا تامر ودلال حاتم وغيرهما.؟
أما الآن وقد أصبح لدينا عدة مجلات رغم أنها تعد على أصابع اليد الواحدة، نقول: إن الوضع اختلف قليلاً، لكن هذا لا يعني أننا لسنا بحاجة إلى المزيد من المجلات والصحف التي تعنى بثقافة الطفل أما في السينما فلا يوجد أي نتاج موجه للطفل، وكأن المؤسسة العامة للسينما ألغت هذه الشريحة الكبيرة من اهتماماتها، ونحن لا نستطيع أن ندعو من لا يعترف بسينما الأطفال أن يوجه اهتمامه إلى هذه الشريحة من المشاهدين.
فالمؤسسة العامة للسينما بعدم إنتاجها أي فيلم موجه للطفل، إنما هو اعتراف منها بعدم الحاجة لهذا النمط من الثقافة.
أما الكتاب المطبوع فمشكلته أكبر ويحتاج إلى مقال خاص به، إذ تنقسم الإشكالية ما بين المؤسسات ودور النشر الخاصة ومديرية المطبوعات ودائرة ثقافة الطفل في وزارة الثقافة، فلا الأولى استطاعت تأمين نوعية جيدة وثقافة مدروسة، ولا الثانية تمكنت من تحقيق ونشر ثقافة اقتناء الكتاب لدى الأهل والصغار على حد سواء، رغم أن نتاجها يتراوح ما بين جيد وعادي، وربما كان أفضل ما تقدمه هو الترجمات، وهو نشاط نسجله لها. أما برامج الأطفال المقدمة في التلفزيون فتستحق الرثاء وبجدارة ليس في سورية فحسب بل في جميع الأقطار العربية.
فعادة يقدم التلفزيون أفلام كرتون، وهي أفلام ومسلسلات مدبلجة يتم إعادة إعدادها من جديد عبر ليّ عنق النص الأصلي ليتلاءم مع واقعنا، فتكون النتيجة نص بسمات عربية مع وجوه وأجواء من الشرق الأقصى.
وربما كانت سورية السباقة في مجال إنتاج فلم كرتوني عربي، إلا أن التجربة لم تتكرر حتى الآن رغم خلو الساحة وازدياد الطلب.
أما برامج الأطفال الأخرى فلا تتطلب إلا مذيعة (مهضومة) وحولها عدة أطفال تناقشهم بقضايا مختلفة.
هذه هي النظرة السائدة لبرامج الأطفال وهذا هو واقع الحال، وهو واقع مأساوي وتغييره واجب، وضرورة فثقافة الطفل ليست تبخسا أو تنازلا عن أصول الثقافة ولا تبسيطا لها، إنما هي ثقافة قائمة بذاتها ترتكز أساساً على احترام الطفل، وهذا يقتضي الابتعاد عن الوعظ والتلقين و التعليم.
في إيصال المقولة سواء في المسرح أو التلفزيون أو السينما أو أي وسيلة أخرى تعنى بثقافة الأطفال، يجب أيضاً تعريف الطفل على حقوقه، (فمن يريد أن يكتب للأطفال يجب أن يكون على دراية بحقوق الطفل وواجباته، ويجب أن يراعي معرفته هذه في معالجة نصه) إضافة إلى تضيق الهوة بين المعرفة والسلوك والمعرفة والحياة وذلك بالتعامل بمصداقية مع الطفل، وهذا لا يعني رفض كل ما هو خيال، ولا يعني أيضاً رسم صورة قاتمة للواقع وزج الطفل في قضايا لا تتناسب مع عمره..
أيضاً يجب ربط الطفل بالمعارف والتقنيات الحديثة وعدم الاكتفاء بما يقدمه له المنهاج المدرسي.
إن تأخر تبلور ثقافة حقيقية تعنى بالطفل لا يعني الانكفاء على الذات وعدم العمل على تلافي هذا التقصير، بل يقتضي توحيد الجهود لبناء ما تأخر إنجازه.
أقول هذا رغم إيماني بعدم قدرتنا كعرب على توحيد إلا الله!!