ربما ..! زياد كضرورة
لا بد لحياتنا من زياد الرحباني، ففوق كل ما عمله وما سيعمله، في الموسيقى والغناء والمسرح والمقال وفن الاسكتش الإذاعي.. لا بد منه شخصاً لا يقبل السكوت عن خطأ أو خلل، كما لا بد منه درساً للفنانين في ربط الفن بالواقع وأسئلته.
لننظر قليلاً إلى حواره الخاص مع بسام كوسا على الفضائية السورية كي نرى كم أنه ضروري ضرورة الثقافة نفسها لوجود مثقف مثله، لا يكل ولا يمل من مهنة النقد الموضوعي التي جعلها المثقفون كليلة ومملّة، فمن تعرية الفنانين اللبنانيين، كبارهم على وجه التحديد، مروراً بسخريته من «مثقفي اليسار» السابقين الذين جعلهم رفيق الحريري «أغلى» ظاهرياً، بلا أية قيمة من حيث الجوهر، وصولاً إلى تنديده بالإمبراطوريات المالية التي باتت تصنع بالفن العربي ما تشاء، وعلى رأسها «روتانا».
النقطة الحساسة التي حاول كثيرون جعلها مشكلة، رغم كونها حقيقةً، مسألة ثانوية في موضوع أكثر جدية، هي وصفه الموسيقي التونسي أنور إبراهم بـ«يهودي» مما دفع عباس بيضون وآخرين إلى مهاجمته واتهامه بمعاداة السامية. زياد أوضح أنّ ما قصده ليس المعنى الديني للكلمة، بل ما تمثله من قوة اقتصادية وسياسية في العالم، وهو موقف لا حياد عنه، ففي هذا المشروع استشراق موسيقيّ يختصر الشعوب في نظرة واحدة.
المؤلم دوماً بالنسبة لزياد هو تهافت الكثيرين من مدّعي حملة الأفكار اليسارية وتهاويهم أمام المال السياسي، فتزداد ثروات بعضهم (التاريخيين)، وتتكون للمستحدثين منهم ثروات لن تلبث أن تكبر، وشهرة سريعة وحضور دولي دائم في المهرجانات العربية والدولية والمحطات الإعلامية، كل ذلك على حساب ما يدعون حمله من رسائل وهموم اجتماعية وثقافية..
ومع ذلك فالملفت للانتباه، أن مبدعاً كبيراً مثل زياد الرحباني، وهو الذي يعجز عن تمويل ألبوم جديد، ويرفض أي دعم مشبوه، ما يزال الأكثر حضوراً وتجلياً في وجدان الناس.. فناناً كبيراً وشخصية مميزة تثبت عمق انتمائها لجذورها وشجون أبناء جلدتها..
منذ عرض اللقاء الاستثنائيّ وزياد حاضر في أحاديث السوريين، والجميع يرددون أفكاراً ونتفاً مما سمعوه، فهم كانوا، فعلاً، بحضرة واحد من العظماء الذين لا تنجب مثلهم الأمم إلا كل نصف قرن، كما قال بسام كوسا في جملته الختامية.