عبد السلام العجيلي... تشخيص مبكر لأزمات الأمة
يعرّف الراحل الكبير عبد السلام العجيلي - القاص والروائي والشاعر والسياسي - نفسه بالطبيب المحترف والأديب الهاوي، صدر له أكثر من أربعين كتاباً في مختلف فنون الأدب، في القصة، والرواية، والشعر، والمقاومة والمسرح، والرحلات... عدا مؤلفاته الطبية في مجال تخصصه، ورحل وهو مؤمن بأن كل ما أبدعه.. مجرد علامة بسيطة لشخص مر عابراً..
وقد حظي إنتاجه بالثناء والتقدير، وترجمت معظم أعماله إلى بعض اللغات الأجنبية مثل: الإنجليزية، والفرنسية، والإيطالية، والأسبانية، والروسية. وتقديراً لعطائه وتاريخه الطويل، قُلّد مؤخراً وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة.
ولد عبد السلام العجيلي في الرقة عام 1918. درس في الرقة وحلب وتخرج من جامعة دمشق طبيباً عام 1945.
انتخب نائباً عن الرقة عام 1947 وتولى عدداً من المناصب الوزارية في وزارات الثقافة والخارجية والإعلام عام 1962.
أصدر أول مجموعاته القصصية عام 1948 بعنوان بنت الساحرة, الليالي والنجوم (شعر 1951)، باسمة بين الدموع (رواية 1958)، الحب والنفس (قصص 1959)، فارس مدينة القنطرة (قصص 1971)، أزاهير تشرين المدماة (قصص 1974)، في كل واد عصا (مقالات 1984) , أحاديث الطبيب (قصص 1997)، و مجهولة على الطريق (قصص 1997).
استقال من عضوية البرلمان ليلتحق بجيش الإنقاذ طبيبا جراحا وذلك في عام 1948 دفاعا عن الحق العربي في فلسطين.
ويقول في ذلك :
" كنا نحارب أقوى دولتين خرجتا من الحرب العالمية مظفرتين وتملكان الدنيا، كنا نُغلب، ولكن كان الغالبون أقوياء، ومع ذلك لم نحني رأساً ولا تنازلنا، كنا دائماً رافعين الرأس "
وفي الأمس القريب كان يتحدث عن احتلال العراق والأسباب التي أدت لذلك كله :
" ... أن نصب جام غضبنا على العدوان وحده ونلعنه، ونغض النظر عن أسبابه ودوافعه وما ساقه، أن نفعل ذلك وحده فسيكون ذلك قصر نظر ونقص إدراك وجهل، بل أن اقتصرنا على الوقوف عند العدوان وشكونا منه سيحرمنا ذلك من كل أمل مهما بلغ من الضآلة بتخفيف أثر كل ما أنزله بنا من فواجع... لابد من العودة إلى الوراء لنتبين العوامل التي أدت بنا بأن نكون ضحايا العدوان وفريسته، لابد من العودة لأن ما يمر بنا ونمر به ليس إلا حصاد زرع نثرناه منذ خمسين عاما على الأقل ونما وترعرع في خلال السنين الفائتة وكان حصاده اليوم، إنه حصاد الفساد الذي خاضت شعوبنا في مستنقعاته خلال نصف القرن الماضي بعد أن انتزع أبناؤه الأوائل حرية أوطانهم من مستعمريها المختلفين، فساد متعدد الوجوه، تولت عبره قيادات رفعت شعارات أيديولوجية متباعدة ومتقاربة ولكن كان أغلبها عند التطبيق كاذباً.
شعارات عن الديمقراطية والحرية والوحدة، أين هي من الواقع الذي فرضته على شعوبنا قيادات كان بعض رؤوسها سفاح وبعضها مجنون وبعضها ذليلا، يتلقى الصفعة ويقبل يد الصافع كل رأس من هذه الرؤوس له عاهة تختلف عن عاهة زميله ولكنهم متشابهون في حرصهم على الكرسي والسلطة... "
وأخيراً فكيف رأى الخلاص الأخير؟
يقول العجيلي:
" أنا أنفر من الكلام على كوارثنا بأقوال لا تتعدى البكاء والندب والنحيب. ليس لدي إمكانيات لدفع الشر عن العراق وفلسطين دفعاً عملياً. فالكلام عن هذا الشر كلام موجه إلينا وحدنا، لا يرضيني. لو كان بيدي أن أشارك مشاركة فعلية المعذبين والمضطهدين والمناضلين في العراق، ولو بأبسط الطرق، لكان ذلك أجدى فيما أعتقد من ألف صحيفة تكتب عن هؤلاء المعذبين والمضطهدين والمناضلين."