بين الخيانة الفنية والخيانة الوطنية
تحولت الدعوات إلى وقف المسلسلات التلفزيونية إلى تقليد عندنا. فقبل عامين شنت حملة لوقف مسلسل تركي بحجة أنه يسيء إلى النساء الفلسطينيات لأنه تحدث عن اغتصاب سجينة في سجون إسرائيل. بعد ذلك بعام هناك من وقف يصرخ لوقف مسلسل «وتر على وطن» لأنه هابط، كما قيل. وها نحن اليوم نسمع الصرخات ذاتها حول مسلسل «في حضرة الغياب» الذي يعرض حياة محمود درويش. يعني: صارت شغلتنا مواجهة المسلسلات. صار جزء من جهادنا وكفاحنا يتعلق بالمسلسلات غير المحبوبة!
الأسوأ أن من يتعرض لدعوات المنع والوقف هذه المرة هو نجدت أنزور. فإذا كان مخرج بهذا الحجم مهدد بأن يوقف مسلسله، فكيف يكون الحال مع من هم أقل منه مستوى ونفوذا؟
محمود درويش ملكية عربية عامة. ولا يحق لأحد أن يدعي ملكيته غير عائلته. هي وحدها من يحق لها أن تقول أن المسلسل فيه مساس بخصوصيتها إذا رأت ذلك.
ليس محمود درويش عرضا ينتهك، ويجب أن يراق الدم لحمايته. محمود ليس عرضا انتهك لقبيلة أو عشيرة، وعلى القبيلة أن تهب للدفاع عنه. محمود وقبل رحيله صار أصلا ثقافيا عربيا. ولأنه كذلك، يحق لكل عربي أن يفكر في هذا الأصل، وأن يعرض رأيه فيه، سواء أعجبنا أم لا.
لم أشاهد المسلسل بعد. لكن حتى لو كان رديئا، بل ورديئا جدا حتى، فلا يحق لأحد أن يطالب بوقفه. عمل فني هابط ليس خيانة وطنية. هو (خيانة!) فنية كما قلنا في تعليق سابق. والخيانة الفنية لا يعاقب عليها القانون.
ثم إن تحديد ما هو الهابط وما هو الجيد مسألة أذواق. فما هو هابط عندك قد يكون رائعا عند غيرك.