درويش في حضرة غيابه
بناء على وصيته نزع الأطباء أجهزة الإنعاش عن جسد محمود درويش... فارقت روحه جسده في التاسع من آب عام 2008 ليتوقف قلبه الذي نبض طوال حياته على وقع خطا الحالمين بالعودة إلى فلسطين، رحل عنا درويش جسدا طاهرا كريما، ولكنه ترك لنا تاريخاً شعرياً يأبى الرحيل... ريشة فنان رسمت ملامح الثورة الفلسطينية في مختلف مراحلها، درويش الذي أيقظ النيام في خيام التشرد، وعرى المتخاذلين والمتهاونين، تنتهك حرمة موته في حضرة غيابه واليوم تتزامن ذكرى وفاة درويش مع عرض مسلسل «في حضرة الغياب» للمخرج السوري نجدت أنزور وبطولة الممثل السوري فراس إبراهيم، الذي نزع أجهزة الإنعاش هذه المرة عن روح درويش.
محمود درويش شاعر فلسطين الذي شارك في جنازته الآلاف اليوم... يؤدي دوره، ويُقرأ شعره، وتُغازل عشيقته، وتُغتصب روحه، أمام المشاهدين على مائدة إفطار شهر المسلسلات... الممثل السوري فراس إبراهيم، الذي لعب دور البطولة كونه المنتج، وكعادة رأس المال، الذي يتحكم بكل تفاصيل مجتمعاتنا الاستهلاكية، استطاع أن يفرض نفسه علينا طوال شهر رمضان ليطل عبر الشاشة الصغيرة، ويمارس كل فنونه التمثيلية، محاولا التشبه بدرويش الذي ليس كقامته قامة، وليس كإلقائه إلقاء، يطل فراس مرتجفاً خائفاً فهو يعلم في قرارة نفسه أنه ليس قادرا على أن يشابه هذه الشخصية التي تنطح لتجسيدها.
من جهتها أصدرت مؤسسة محمود درويش، بياناً نفت فيه علاقتها بالمسلسل، أو بالقائمين عليه، مشيرة إلى أنها ترى فيه «إساءة للشاعر وصورته وحضوره في الوعي الثقافي العربي والإنساني». وقالت المؤسسة في بيانها: «إنها قامت بإبلاغ موقفها بوضوح للقائمين على إنتاج المسلسل وتعود لتأكيده عبر دعوتها إلى وقف عرض حلقات العمل المذكور».
وقال البيان: «إن غياب القوانين الخاصة بحقوق الملكية الفكرية وضعف العمل في التشريعات المتعلقة بالحقوق الثقافية والارتجال في تناول حياة ومنجز أعلام الفكر والثقافة في منطقتنا، إضافة إلى أسباب أخرى، هو الذي سمح لتجرؤ البعض على إرث الراحل الكبير سواء عبر انتحال حضوره على الشاشة أو من خلال الالتفاف على اسمه وموقعه بالوسائل المكتوبة والمرئية والمسموعة، وهو ما تعمل مؤسسة محمود درويش على التصدي له في إطار القوانين والأعراف المرعية».
وبدورهم أطلق مجموعة من المثقفين الفلسطينيين عريضة يطالبون فيها بوقف عرض ما سموه «مهزلة مسلسل فراس إبراهيم» على قناة فلسطين الفضائية، واعتبره الموقعون على العريضة: «مسلسلا ذا طابع تجاري يسيء بشكل مخز إلى صورة العظيم محمود وحقيقة حياته». وأبدى الموقعون على العريضة استغرابهم من تورط تلفزيون فلسطين في عرض هذا المسلسل، «الذي تم التحذير من أهدافه ودوافعه التجارية منذ أشهر عديدة، وأدانوا تورط الفنان مارسيل خليفة والكاتب حسن يوسف والمخرج المبدع نجدت أنزور في هذا العمل (السطحي المقيت)».
روح درويش ستطارد هؤلاء العابثين الذين نبشوا قبره ليقدموا حياته على مائدتهم الرمضانية، فكلمات درويش مازالت تجتاح مفردات ذاكرة الشعب العربي، وصورته مازالت مطبوعة في مخيلة النخبة والشارع، فكيف لذلك المنتج أن يجسد هذه الشخصية وهو بعيد كل البعد شكلا وروحاً وصوتاً وأداء عن الشاعر الكبير؟!