عذراً.. ما من شعب غبي!
يتداول بعض السوريين على وسائل التواصل الاجتماعي، وبتأثيرٍ من وسائل إعلام مختلفة، عباراتٍ من قبيل: «نحنا شعب غبي»، «نحنا يلي عملنا بحالنا هيك»، وغيرها من عبارات «جلد الذات» التي باتت تشكل بديلاً سهلاً مستساغاً عن تفسيرات حقيقية لواقع الأزمة القائم!
يقول نعوم تشومسكي - وهو عضو في الأكاديمية الأمريكية للعلوم والفنون، وخبير في شؤون الحرب البسيكروتونية - إنّ: «من استراتيجيات وسائل الإعلام العالمية: تعويض التًّمرد بالإحساس بالذّنب»، بما يعني احتواء ميل الناس الطبيعي نحو التمرد على واقعهم برد مشكلات ذلك الواقع إلى ذنوب مختلقة ارتكبوها، وعليه فإنّ معظم وسائل الإعلام تدأب على تحميل النّاس مسؤوليات الأزمات التي تلم بها من فقر وجوع وحروب، في درءٍ منها لمسؤولية الطبقات المستغِّلة عن هذه الأزمات، وفي محاولة لتشويه وعي المتلقّي إلى الحد الذي يشعر فيه أنّه في حلّ من التفكير والتحليل والبحث عن المسبِّبات الحقيقية لمشكلاته.
إنّ وسائل الإعلام تلك، ومن وراءها مموِّلوها - الّذين لا يقلّون عنفاً عمّن يحمل السّلاح- يعرفون تمام المعرفة أن تفسيراً صحيحاً للواقع، سيفتح الطريق نحو تغييره لمصلحة المتضررين من الفقر والجوع والأزمات، أي ضد مصلحتهم هم بالذات.
هل ما أصاب السوريين سببه «غباؤهم»؟ أم أنّ السياسات الليبرالية المتوحشة، التي مُورسَت ضدّهم، والتي عاثت في البلاد فساداً وخلّفت فقراً وجوعاً، متبوعاً بجهلٍ وتخلّف، هي السبب؟!
هل «غباؤنا» هو السبب في ظهور داعش وتمدّدها؟ أم أن داعش والإرهاب جزء من مشروع خارجي وأداة من أدوات الفاشية الجديدة؟ أليست سياسات الإفقار الممنهج التي مُورست، ليس في سورية فحسب، بل في كلّ بقاع الأرض، هي من خلقت بيئة من المهمشين الذين تمّ تجنيد وغسل أدمغة أقسام منهم بغية زجّهم في معارك وحروب لا تعود بالنّفع سوى على أصحاب الطّغم المالية الكبرى؟
هل ظهرت في التّاريخ يوماً شعوبٌ أحبّت أن تكون مأزومة وأن تذوق طعم المرارة والموتِ كلّ يوم؟ هل يطيبُ طعمُ الموتِ للّذين يموتون؟ أم للذين يَقتلون؟ أم أنّه يطيب فقط، لمن يرثون «انتصارات» القتلة وهزائم القتلى رصيداً إضافياً في بنوكهم؟
هل نستحقّ ما يحصل لنا، لأننا «شعب لا يحب أحدنا الآخر»؟ أيُّ كرهٍ وتشتّتٍ يأمل أصحابُ البذلات الفخمة، والبطون الممتلئة من جيوب الفقراء، زَرعه فينا؟!
لا يشكّل لوم وتقريع الذاتِ هذا، والّذي تسعى معظم وسائل الإعلام إلى تكريسه، حلاً حقيقياً للأزمة، لأنّ «نحن» التي يريدون منا أن نلومها، ليست الرابحة من استمرار الحرب، وليست السبب فيها.. السبب هو «هم»، «هم» محددة وملموسة ومعروفة!
على المقلب الآخر، لا يجوز بحالٍ من الأحوال، إعفاء الذّات من مسؤولياتها الحقيقية، لا المختلقة. فما ذُكر لا يبرّر تقاعس النّاس عن تغيير ذواتهم من أجل تغيير واقعهم، بل عليه دفع الشرائح الأوعى في المجتمع، مثقفينَ وأحزابَ ثورية، إلى حثّ النّاس وتحريضهم، وخوض النقاش معهم، إلى أن يعوا مصالحهم.
بذلك فقط، يمكن لـ «نحن» أن تتحد وترص صفوفها. وبهذا الاتحاد فقط، يمكن لـ«نحن» أن تقف على بعد خطوة من عبور برزخ الأزمة إلى حيث تشتهي وتريد.