«مهمّة خاصة» يكتشف متحفاً أنثربولوجياً في كهوف فلسطينية
وصل فريق صحفيّ من إحدى المحطات التلفزيونية العربية، في «مهّمة خاصّة»، إلى أقاصي جنوب الضفة الغربية على مشارف صحراء النقب، بحثاً عن مكبّ النفايات النوويّة الإسرائيلية الذي فتك، بسببه، السرطان بـ(175) شخصاً من بلدة «يطّة».ولكنّ المهمّة التي قام بها عبد الحفيظ جعوان وزملاؤه، بعدما نشرتْ قناة الجزيرة تقريراً عن الموضوع ذاته، للإلمام به أكثر، والإحاطة بآثاره المدمّرة بيئياً وإنسانياً، ذهبت باتجاهٍ آخر عندما وصل الفريق إلى تلّة صغيرة، بدت، للوهلة الأولى، تحفة فنيّة نادرة على الطراز القديم، أو مزاراً سياحيّاً، أو موقع تصوير سينمائي، وإذا هي قرية توينا التي قال عنها جعوان: «من الواضح أنّ هذه القرية، مع أهلها، قد سقطت من الخارطة، لا نعرف سهواً أو قصداً، ولكن نقدر أنَّ التاريخ قد توقف هنا قبل مائة عام تقريباً، البيوت من الطين والشيت، تربط بينها أزقة تعج بالدجاج البلدي والحمام، النساء يذهبن إلى نبع قريب لجلب الماء...» وإن كانت القرية تبدو أنها أفضل مكان للاستجمام، وراحة البال، فهي في الحقيقة تعبيرٌ عن صراعٍ قاسٍ، يخوضه أناس بسطاء، يتمسكون بأرضهم، متحدين كلّ قوة إسرائيل وجبروتها.
ورغبة بحب الاستطلاع، اندفع الطريق أعمق نحو الجنوب، متجاوزاً الطريق المعبد، ولولا مصادفة مجموعة من الرعاة، لضاع أفراده، حيث أوصلوهم إلى قرية غوين. ويالغرابة المشهد «كأنّ أهل الكهف بعثوا من جديد»، ففي القرن الحادي والعشرين ثمّة فلسطينيون يسكنون الكهوف، ويعيشون على ما تمنحهم إياه الأرض والماشية، ويعتمدون الحمير وسيلة نقلٍ وحيدة، والحطب هو مصدر الطّاقة الوحيد لديهم. يصف جعوان الحالة بالتالي: «سكّان هذا المكان ليسوا رحّلاً، ولم يحطوا في المكان صدفة. أجداد ولدوا في هذه الكهوف، هم أصحاب الأرض، لهم الوطن وما عليه، لكنّ إسرائيل تطمح حتى بالكهوف، فالمكان مهدد بالمصادرة، والجدار خنق الحياة حتى في أبسط أشكالها، صحيح أنّ الحضارة قد أسقطت غوين، وأنّ عجلة التقدم قد توقفت فيها منذ ألف عام، لكنّ السياسة بقيت مستمرة».
عندما لفّ الظلام غوين، وبات الفريق الصحفي في جزيرة معزولة، قامت إحدى العائلات باستضافة أفراده، وحين جاء وقت النوم، لم يكن بينهم من يستطيع إغماض عينيه «فالنوم في هذا الكهف فيه من الرعب ما يكفي لدفعنا هرباً إلى منازلنا، في منتصف الليل، ولو مشياً على الأقدام» وهكذا هربوا.