من التراث الثورة في الإسلام.. لماذا انتهت؟؟ ج3
معالم الدولة:
وفي الجانب الآخر بدأ النبي محمد (ص) برسم معالم دولته، وفكر جديّاً بتوحيد العرب وكان هامّاً أن يدخل (أغنياء) مكة في هذه الدولة لتغذيتها وتجهيز جيشها.
وبدأ وعيه السياسي بالظهور وما لديه من حنكة سياسية وبُعد نظر، كل ذلك تلخّص بـ(صلح الحديبية) الذي كان بداية النهاية بالنسبة لقريش - مع العلم أنه بدا للجميع ضد مصالح الإسلام في بداية الأمر- ومع دخول أسماء هامّة في الإسلام من التجار والأغنياء بدأت حدّة الهجوم الإسلامي ضد أصحاب المال، بالزوال شيئاً فشيئاً وبدأت حرب محمد (ص) ضد كنز المال تأخذ شكلاً أكثر مراعاة، وذلك بفرض الزكاة «تطهيراً للمال وليس منع جمعه وكنزه» وظهرت أحاديث كثيرة تبقي للأغنياء (الشرف) الذي خافوا ضياعه في البداية كحديث: «خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام» ومهما يكن القول، فالأحداث عملياً وعلى الأرض كانت تسير بذاك المنحى.
حتى في حياة الرسول (ص) كان أمراء المناطق المفتوحة ضمن الجزيرة العربية، من خصومه (السابقين)القرشيين والأمويين، ولم يكن لأصحابه من الفقراء نصيب منها سوى القليل جداً.
لقد عرف محمد (ص) أن بناء الدولة وانتقال المجتمع من (شبه مشاعي ورعوي) إلى (مجتمع متحضر) يحتاج إلى مجتمع الاقتصاد الحر (مجتمع طبقي). وفعلاً استطاع تجار قريش النهوض بالإسلام وتجهيز جيوشه (لا يمكن أن نفترض أن محمداً (ص) كان يعي هذه القوانين كما نفهمها نحن الآن، وإنما بالتجربة ولم يكن في الأفق في ذلك الحين حلولاًَ أخرى (8). ومع هذا فإن العلاقات والفروقات السياسية والاقتصادية لم يكن لها انعكاس سلبي على حياة أصحابه ولم تصل الأمور إلى حد الظلم أوالاقتتال.
السقيفة:
ثم كانت السقيفة (سقيفة بني ساعده) وما تبعها من أحداث جسام، فرضت التغيير على هذه الثورة، وبدأت تتحوّل إلى دولة وسلطة، لها مصالحها وعلى حد تعبير الباحث هادي العلوي: فإن السقيفة وما حدث بها كان «ضرورة تاريخية»(9).
وقد ترك النبي محمد (ص) أمور المسلمين بعد وفاته وتحديداً شكل القيادة السياسية أمراً مفتوحاً للقوى المختلفة، وليس هناك من تأكيد صريح وقطعي بتنصيب (علي بن أبي طالب) سوى بعض الأحاديث التي تذكرها كتب الشيعة، - برغم تميزه الملحوظ وتفوقه على الجميع وانحياز جميع الفقراء إلى صفه-
وكان يقف في وجه علي والتيار الذي يمثله (الفقراء)، جميع أصحاب المال والقادة العسكريين ممن رأوا في الإسلام فرصةً للحصول على المال والأراضي والجواري، فكانت مسيرة الأحداث ،أو كما قلنا سابقاً الضرورة التاريخية، تقتضي أن يأخذ الإسلام شكل الدولة الحربية، الفتية.
ولا ندري هل كان النبي (ص) يعرف أن الأمور ستزداد سوءاً بعد وفاته، بسبب أن قيادة الدولة ستكون حتماً لخصومه القدماء (بني أمية) وسادة قريش ممن دخلوا في الإسلام خوفاً من القتل أو حتى مراعاةً لمصالحهم الشخصية، أو أنهم رأوا مجالاً لاقتناص مكاسب هذا الدين الجديد، وإمكانية استثمار قواه لمصالحهم الخاصة وتحقيق أطماعهم الشخصية.
وقد يتأكد قولي هذا، إذا قرأنا أقوالاً تنسب للنبي (ص) بهذا الخصوص، وردت في كتب التراث، مثل قوله(ص) في آخر أيامه ):أقبلت الفتن كقطيع الليل المظلم يتبع أولها آخرها.. الآخرة شرّ من الأولى) وأنه خاطب القبور في البقيع بقوله: (هنيئاً لكم ما أصبحتم فيه). (راجع سيرة ابن هشام ـ الطبري، آخر فصل مخصص لوفاة الرسول (ص).).
ومثال آخر يؤكد أن مرحلة (الثورة) في الإسلام انتهت مبكراً في بداية تكوين الدولة في المدينة، وانتفت روح الأخوة مع دخول الأغنياء والسّادة للإسلام، ليعودوا «سادة مسلمين على الفقراء المسلمين». فهذا حال أبي ذر الغفاري، عبداً قبل الإسلام ومضطهداً بعده، وغيره الكثير من فقراء المسلمين الذين عاشوا الأمل في بداية الإسلام، ثم عاصروا الهزيمة والظلم بعد مجيء (الملأ المكي) إلى قيادة الإسلام متمثلاً في «أبناء أبي سفيان».
■ هشام الباكير
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.