صفر بالسلوك نحن والموبايل دراسة تاريخية
استطاع الموبايل السوري أن يلم شمل الناس ويعيد الأواصر الاجتماعية قوية على ما كانت عليه قبل أيام زمان، وقد أمكنك أن تشاهد سكان الأبنية على الأسطحة مجتمعين وهم يبحثون عن الشارة المفقودة ويتحدثون بسعادة على الموبايلات ثم يتحدثون مع بعضهم بعضاً، بل إنهم ـ وبعد أن عرفوا بطول هالسيرة ـ بدؤوا يحضرون معهم صحون الفتوش والتبولة وعقدوا الدبكات على أسطح البنايات، وكان الواحد منهم يترك الدبكة وهو يقول لجارته باعتزاز (بالأذن.. موبايلي عم يرن) وعلى صعيد الحب فقد وفر الموبايل للعشاق وسائل التعارف، فتجد شاباً يحاول التقاط الشارة عبثاً في الشارع مقابل فتاة تحاول نفس المحاولة، وهنا يبادر الشاب الفتاة بقوله (أنت 94 ولا 93) ثم يتبادلان الموبايلات ويجربان، وبعد أن يضجروا من المحاولات المتكررة يتحادثان ويجلسان في الكافتيريا، ويحاول الشاب أن يمد يده إلى موبايله الموجود على الطاولة فتلامس يده يد الفتاة، عندها تشعر الفتاة بالحب وهو يسري في جسدها وكذلك الشاب فيتحابان ولكن الوالد الشرير لا يقبل بزواج ابنته فيخطفها الشاب ويحاول الوالد الشرير الاتصال بالشرطة ولكن الشارة تخذله ليجد ابنته قد تزوجت من حبيبها فيتصالحون جميعاً ويعيشون حياة هانئة حتى يفاجئهم هازم الملذات ومفرق الجماعات.
وصحياً فقد بات المواطن السوري يتمتع بصحة جيدة بسبب اضطراره لاستنشاق الهواء النظيف، إذا أن الشارة مفقودة في المنزل ما يضطره إلى الخروج للهواء الطلق لاستخدام الموبايل.
ويفاجأ القادمون من الغرب المتخلف برشاقة الفتاة السورية والشاب السوري، وذلك بفضل الموبايل الذي أجبر مستخدميه على ممارسة الأيروبيك أثناء استعماله، فهذا شاب يميل برأسه ورقبته إلى اليمين بحثاً عن الشارة، وهذه فتاة تميل إلى اليسار لتلتقط الشبكة، وهذه امرأة مثل عود الريحان الذي هبت عليه نسمة صيف وهي تتحدث مع جارتها المتمايلة مثلها.. وهكذا حتى أصبحت هذه الحركات من تقاليد استخدام الموبايل..
إلا أن الموبايل خرب بيت الكسالى، وخاصة (اللفايات) الغشاشات، فبعد أن تنتهي اللفاية من تنظيف البيت تجلس كي تأخذ أجرها.. وفجأة يرن الموبايل فتبدأ المدام بالكلام.. تغيب الشارة فتحاول المدام البحث عنها وتنبطح.. لتكتشف الغبار تحت الكنبة، فتغلق السماعة وتنهر اللفاية الغشاشة التي باتت تنظف البيت جيداً حتى قال المؤرخون (البيت الذي يدخله الموبايل.. لا يدخله طبيب)..
ولعل مصيبة الخادمات سهلة أمام مصيبة بعض الأزواج، فيحدث أن يعود أحد الأزواج الشكاكين بشكل مفاجئ إلى المنزل، ليجد زوجته الحبيبة متبرجة ومتفرعة على سرير الزوجية المقدس، فيقول لها (فاجأتك برجعتي حبيبتي)؟!.. ويرن موبايل الزوج فيرد.. ولكن الشارة ترحل.. فيصعد على الكرسي ولكنها لا تعود.. فينبطح أرضاً بجانب السرير ويتحدث لأن الشارة موجودة في الأسفل، وبالمصادفة يلقي نظرة إلى ما تحت السرير ليقطع الشك باليقين.
وتبقى وحدة الأفراد والأحزاب من معجزات الموبايل، فقد توحدت جميع القوى السياسية تحت شعار واحد هو (.. أخت هالشبكة) وامحت الخلافات والنزعات، وحل الوئام بين الجميع، بل واجتمعت جميع السواعد والزنود والحناجر والحواس والأفواه لتردد شعارها الوحيد والمفضل (.. أخت هالشبكة)..