ربّما! مقبرة قصيدة النثر
حدثٌ غريب جداً، هذا الذي سمي بمهرجان قصيدة النثر، ففيه ضاعت الطاسة، كما يقال، فلا شعرٌ ولا نثرٌ، إنّما مجرّد كتابات بلا طعم أو لون أو رائحة, مع استثناءات قليلة.
فعلى مدار أسبوع كامل ونحن نتلقى نصوصاً ملفّقة، من شعراء جمّعوا كيفما اتفق، دون أنْ يمتلكوا أدنى الأدوات المطلوبة. وكم كنا نتمنى لو أنّ حالة الاعتراض القديمة المتمثلة برجم ما لا يعجب الجمهور بالبندورة وزجاجات الماء الفارغة، ما تزال ساريةً حتى الآن!
كان وضع قصيدة النثر كارثياً، مما يلزم بالعودة إلى ما يجب أن يكون بدهيات، كأن نعيد السؤال المهترئ: ما الشعر؟ ما النثر؟ ليكون علينا بعد ذلك أن نتحدث عن قصيدة نثر، وعن نصٍّ جديد، وعن حداثة فنية..الخ.
وإن كانت النبرة ستأخذ منحى تعليمياً، فالعذر بأنّ المهرجان أتحفنا بشعراء يحتاجون إلى وضع النقاط على الحروف.
بالاستناد إلى رأي رومان ياكوبسون، الناقد الشكلاني الروسي، الشعر (كلّ إنشاء يحتفي بالدوال أكثر مما بالمداليل), والنثر (كل نص يصار فيه إلى تغليب المعنى، وتمنح الأولوية فيه للمدولات)، مع الأخذ بالحسبان، برأي كاظم جهاد، الشاعر والناقد المعروف، حيث يوازن طرفي المعادلة بقوله: (هذا لا يعني أنّ الشعر يضحي بطاقته المعنوية أو الدلالية، ولا أنّ النثر يستغني عن كل مسعى أسلوبي وعناية موسيقية). وأظنّ أنّ هذه الفقرة كافية، ولا داعي بعدها للمزيد من التنظير، مع الأخذ بالعلم أنّ العطالة الثقافية التي كان عليها شعراء المهرجان هي التي تقود إلى هذا المنحى.
هل انكفأ الشعر، وصار يلزمنا تنقيب أثري للعثور على الطريق التي سلكها؟ الجواب لا. بقليلٍ من الالتفات لما حولنا نرى الشعر على ما يرام، فما يزال هناك شعراء يفيضون جمالاً، غير أولئك الذين رأيناهم على منبر الثقافي الروسي، وقد اكتفوا بالشعر رشة ملح على حيواتهم الباهتة.