مهرجان قصيدة النثر فشل ذريع وأخطاء لا تغتفر، وشعراء لا يستحقون هذه الفرصة
كان ينبغي حضوره ، لأنه سمّي هكذا: (المهرجان الأول لقصيدة النثر في سورية )، إذ يكفي هذا العنوان ليستفز أي شخص يعنيه الشعر والجمال والفن والأدب…….إلخ. على كل حضر العديد من الذين أغراهم هذا المانشيت فعاليات هذا المهرجان، وشارك البعض فيه كشعراء أومحاضرين، في رغبة في تحريك الراكد والساكن في الحياة الثقافية، أو لعلهم ينفضون شيئا من الغبار الذي بدأ يعتري صورة القصيدة السورية الحديثة، إلا أن المهرجان خالف كل التوقعات، وأسقط كل رهان، فقد استقطب أسماء كثيرة، مجهولة في غالبيتها, لجهة الشعرية والشعر، ومعروفة في نطاق ضيق، وعلى ما أظن أنها معروفة من الشاعر فاتح كلثوم فقط.
بعد متابعة حثيثة، وبرصد كامل عن كثب، لم أجد إلا نتاجات في أكثرها تتصف بالبؤس والرداءة، فالذي تم هو استقدام العديد من الشعراء الذين لا يعرفون الفرق بين قصيدة النثر وقصيدة التفعيلة، والبعض -وهذا البعض ليس بقليل- لا يعرف ما هو الشعر أصلاً . شاعرات أصلحن تبرجهن وأفسدن بياض الورق بغثاثة، وكلام لا معنى له، وأصررن على تسميته شعراً، بل وقصيدة نثر.ونقاد بعضهم جلسوا على المنبر مستقدمين محاضرات من تلك التي يدرسونها في قسم اللغة العربية بجامعة دمشق للطلاب المساكين، فيسببون لهم مع مرور الزمن خصاءً فكرياً ومنطقياً.
لا شيء
د .أحمد الجاسم الحسين، وهو مشارك في المهرجان بدراسة نقدية قال وهو يستشيط غضباً -في المقهى وليس على منبر المهرجان - (كنت أتمنى أن يسرق أحد المشاركين جملة شعرية لأي شاعر كان، أو أن يُحدث شاعرٌ تناصاً مع نصّ آخر، أو أن يظهر شاعر ثقافته لكي أقول بأني سمعت شعرا)، ثم ضرب كفاً بكفٍّ، وهز رأسه معبراً عن استيائه ، وأتبع بالقول: ( لا شيء).
أسماء مهمة كان ينبغي أن تكون موجودة لكنها غابت، وهي من يجب أن تكون الناطق الرسمي باسم قصيدة النثر السورية، لغناها وسعة الطيف، و ما لها حضور في المشهد الشعري العربي..فلماذا غابت هذه الأسماء؟ يقول فاتح كلثوم مدير المهرجان: (ليس كل اسم معروف هو جيد، وليس غير المعروف سيئاً، مقياس الشعر ليس هكذا، مع العلم أني لم أتجاهل أحداً، إذ وجهت بطاقات دعوة لجميع الشعراء، لكن بعضهم طلبوا إقامات في فندق كشرط لقبولهم، والبعض الآخر طلبوا نقوداً، والبعض المتبقي شعروا بأنهم شعراء كبار، وبالتالي فهم لا يحضرون إلا مهرجانات عالمية) - رفض ذكر أسماء- وتابع حديثه بالقول: (هناك أسماء تعاونت معنا كممثلين لقصيدة النثر مثل جودت حسن- فؤاد كحل- وهؤلاء من آباء قصيدة النثر في سورية.).
عن مستوى النصوص يقول مدير المهرجان: (أنا مصر على أن هذا هو المشهد الشعري السوري، مع احترامي للأسماء الغائبة، لأن أربعة أوخمسة أسماء لا تشكل المشهد، لقد وصلتني نصوص لحوالي 200 شاعر مغيبين، وبالفعل قُدمت نصوص جميلة، وقدمت نصوص وسط، ودون الوسط. وبالعموم اخترت - لاحظوا كلمة اخترت- الشباب على أنهم شباب، وحاسبتهم- لاحظوا كلمة حاسبتهم-على هذا الأساس وقد قدموا بشكل جيد حسب سنهم. بل إن لهؤلاء الشعراء كتباً مطبوعة في الأسواق، صادرة عن اتحاد الكتاب العرب، وهذا يعني أنهم شعراء، وإلا فمن وافق لهم على كتبهم؟)
يحق للأستاذ كلثوم أن يقول ما يشاء، ولكننا نريد أن نسأله بعض الأسئلة: إذا كان هذا المهرجان للشباب مع إصراري أنه ليس كذلك، فلماذا لم يسمه مهرجاناً للشباب؟ مع أني لا أجد أن هذه التسمية صالحة بدورها، فلقد كان حرياً به أن يسمى مهرجاناً للهواة؟ أكان ينقص المشهد الثقافي ما يؤكد اضمحلاله؟ من ثم من أين له أن يشطب الشعراء الشباب الحقيقيين، وأستطيع أن أعد له ما لا يقل عن 20 شاباً لم يبلغوا أصلاً بالمهرجان؟ من ثم لماذا لا يذكر الأستاذ كلثوم أسماء الشعراء الذين طلبوا نقوداً؟ ولماذا يقول (اخترت) و(حاسبت) مع أنه قال لي أن ثمة لجنة قد اختارت النصوص.
تفنيد الادعاءات
(الشاعرة) غادة فطوم، قالت لنا، بدون قصد، مايؤكد عدم وجود لجنة اختيار. الكلام لفطوم (لقد تقدمت للمهرجان بصورة غير مباشرة، عن طريق الشاعر طلعت سقيرق الذي رشحني لفاتح كلثوم، و كان له الفضل في مشاركتي)، وأثناء حديثي معها (فطوم) تقدمت منا مقدمة المهرجان، وهي شاعرة تدعى سناء الصباغ كانت قد شاركت في الأمسيات، بالإضافة إلى كونها أحد الأصوات (الشعرية) الأخرى، وحاولت التدخل في الحديث فطلبت منها أن آخذ رأيها، فوافقت لأنها تقدمت، ليحصل ذلك أصلاً. مقدمة المهرجان وشاعرته هذه، شخصية غريبة في طريقة تعاملها مع الشعراء الآخرين، إذ أنها كانت تسبغ ألقاباً من قبيل الشاعر الكبير والشاعر المبدع، وكأنها سيدة سوق عكاظ ، و الأنكى أنها كانت تتفقد الشعراء على المنبر فتقول : هل فلان الفلاني موجود؟ الأمر الذي جعل الشاعر محمد المطرود يشعر بالإهانة، وهنا أورد شهادته في المهرجان، وفي مقدمته سناء الصباغ بدون حذف أو نقصان، و المطرود أحد الذين غرر بهم وشاركوا في مجزرة الشعر هذه: (إذا كنت منصفاً فإني سأقول أني غير سعيد بالمهرجان، فالصورة التي تخيلتها كانت عكس ما رأيت. من المفترض أن يتم الاحتفاء بأسماء معينة لها فاعلية في مشهد قصيدة النثر.إن قصيدة النثر تعاني غبناً، وكثيرون هم الذين ينظرون ضدها، فليس من العدل أن نضيف سكيناً على صدرها بجلب أسماء لا علاقة لها بالكتابة مطلقاً، ولن أنكر على البعض إخلاصهم ، وهذا بعض العزاء الذي أسوقه إلى نفسي، وأما بالنسبة لمشاركتي فلقد كانت أقصر مشاركة،وقرأت بسرعة، كاحتجاج ضمني على الطريقة المزرية التي يتم بها التعامل في التقديم، فهو لا ينسجم وحساسية هكذا مهرجانات، ولولا الالتزام الأخلاقي لانسحبت غير نادم، ولو امتد بي العمر لسنة قادمة ، ودعيت إلى ما يشبه ما تم، فإني سأرفض المشاركة منقذاً روحي وهواجسي ومخيلتي من التزام قد لا أقوى عليه في المرة القادمة، أشكر المشرف على المهرجان، وكنت أتمنى لو تعب أكثر ، وأخذ بآراء الآخرين لكان الأمر مختلفاً).
برسم المشرف على المهرجان
ثمة أسئلة كثيرة برسم كلثوم، فحبذا لو أجابنا لأن الإجابات توضح أولوياته: هل فعلاً يصدق أن المهرجان قد نجح ؟ وبأية معايير؟ وهل يشفع له أن شعراء خرجوا وقرؤوا قصائد تفعيلة، في حين أن هؤلاء كانوا قد تقدموا للجنة المزعومة بقصائد نثر؟ إذا كان هؤلاء مهيئين ليمارسوا هذا الفعل، فلماذا يدعون إلى مهرجان يحمل اسم مدينة دمشق؟ وهل يعقل قوله إنه لم يتدخل في النصوص؟ أو كان يجيز لنفسه أن يتدخل في نصوص الآخرين، ليصعدوا بها إلى منبر في وسط مدينة دمشق المقبلة على استحقاق (دمشق عاصمة الثقافة العربية) في مهرجان يعطيه اسماً يزلزل سامعه؟
واستكمالاً للشهادات التي حصلنا عليها بخصوص المهرجان نورد شهادة د.خالد حسين الذي كان قد شارك بدراسة نقدية بعنوان (رياض صالح وشعرنة العالم).. يقول د. حسين: (إذا ما حاولنا أن نكون موضوعيين فيما يتعلق بهذا المهرجان، فإن مهرجاناً يخص قصيدة النثر يحتاج إلى كثير من الجهد ، وهذا الجهد ينبغي أن يتوزع على اختيار المحاضرين والشعراء على نحو عادل. فعلى صعيد الشعراء المشاركين في المهرجان فإن البعض منهم لم يكن بمستوى قصيدة النثر، وإنما قدم خواطر كتابية،تكاد تكون تمارين أولية في كتابة الشعر، وبالمقابل قدم بعض الشعراء قصائد ترتقي إلى مستوى قصيدة النثر، وعلى صعيد المحاضرين، فثمة دراسات كانت ضعيفة فقدمت ناقدة-يقصد د. ندى عادلة- دراسة مليئة بالأخطاء النحوية واللغوية عن الشاعر سليمان عواد، وأظن أن المهرجان مرة أخرى يحتاج إلى كثير من العناية، والاهتمام، حتى يظهر بصورة مقبولة، وممثلة لقصيدة النثر الآن .
(هناك الكثير من المبدعين -يتابع د. حسين- الذين غابوا عن المشاركة ، وفيما يتعلق يقصيدة النثر فأعتقد أن الأمر كان يحتاج إلى دراسة نقدية معمقة في مفهوم هذا المصطلح، والتحولات النصية التي ترتبت وتجلت لممارسة هذا المصطلح…أستطيع أن أقول أن بعض الأصوات المشاركة قدمت جماليات نصية معتبرة، وأستطيع؟ أن أعطي مثالاًعلى ذلك: فؤاد كحل، طارق عبد الواحد، محمد المطرود وآخرون، والأمر يحتاج إلى دراسة مستفيضة لنتاجات المهرجان حتى نخرج بتقديم نقدي لبعض هذه الأصوات).
جدل في الأروقة
بعد كل هذه الانطباعات السيئة من الأسماء المشاركة، هل نستطيع أن نقول إن المهرجان قد نجح؟ ولم لا فثمة من يقول ذلك؟ فالشاعرة غادة فطوم،سابقة الذكر، قالت لنا (إن المهرجان ناجح، وبأنه قد قدم كل المستويات، ووصفت مستوى المشاركات بأنها (حلوة)، وطالبت مؤسسات الدولة برعاية المهرجان)، ومقدمة المهرجان الشاعرة الصباغ قالت إن الإنتقادات هي ضد قصيدة النثر، وليست ضد المهرجان، وأكملت قولها إن في المهرجان نقاط ضعف كثيرة لم تعددها، وقالت أيضاً إنه ليس من الضروري، أن تكون النصوص جيدة، فالمهرجان للأصوات الشابة. وليس من الحسنى الرد على هذه الآنسة سوى بالقول: إنها إحدى نقاط ضعف المهرجان. وللأمانة فإنها قالت بأن شعراء كباراً اشتركوا في المهرجان وهم: جودت حسن، فاتح كلثوم، ميرزا ميرزا.
وأما الشاعر وفيق أسعد فقد أثنى على المهرجان، وقال إنه أتاح اكتشاف صوت جديد هو الشاعرة الشابة مرام اسلامبولي ورأى أن أسماء مهمة اشتركت به كالشاعر محمد خالد رمضان.
وقد تغيب لأسباب مجهولة كل من الشاعر علي سفر، والشاعرة هنادي زرقة، ويذكر أن الشاعر عبد القادر الحصني قدم محاضرة عن الشاعر اسماعيل عامود، اتسمت بالجدية، فيما أن د. غسان غنيم قدم محاضرة حول أدب الماغوط، وكانت محاضرته تفتقد للإصغاء، فالجمهور بدأ يغادر القاعة بعد حوالي عشر دقائق، لأسباب تتعلق بطبيعة المادة النقدية التي قدمها غنيم. وبذلك يكون الشعر قد خسر فرصة كان من الممكن أن تكون في صالح فكرة الحداثة، وخلق حلقة تواصل مفقودة.