روجيه عساف: الفنّ في خدمة العلاقة مع الواقع

روجيه عساف ممثل ومخرج لبناني من مواليد بيروت عام 1941، ومؤسس «فرقة مسرح الحكواتي»، جاء بأفكار وتصورات جديدة حول المسرح العربي، وحاول تقريب المسرح للناس وتأصيله.. وهو يدير حالياً مسرح بيروت.. التقته «قاسيون» وأجرت معه الحوار التالي:

الأستاذ روجيه عساف، يركز بيان أيار 1979 الصادر باسم «فرقة مسرح الحكواتي» على علاقة المسرح مع الناس وتفاعله معهم، والانطلاق من القضية الوطنية التقدمية.. منذ ذلك الوقت حتى اليوم، ما هي القضايا التي بقيت ثابتة في مسرحكم، وما هي الأشياء المتغيرة؟

 مسرح الحكواتي نشأ وتطور في ظروف معينة، وهذه الظروف تغيرت، فمع تغير الواقع، جو العمل ومضمون العمل تغير.. بقي مبدأ العمل الجماعي، والالتصاق بالواقع.

كان الحكواتي في فترة سابقة يوحد الناس حول قضية، ويدعو للتمسك بالذاكرة وبالأمل. وبالرغم من المعاناة ومن الصعوبات، فقد كان لدى الناس قوة تدفعهم نحو التوحد حول الحكاية، فقد كانوا عندما يجتمعون يتحدثون عن قصصهم بشكل إيجابي داع للفرح، حتى ولو كانت الذاكرة عن الحرب والموت، ولكنها ذاكرة إيجابية وموحدة..

الذي تغير في التسعينات بشكل أساسي هو بيروت، هذه العاصمة التي كانت تتشوه ويختفي دورها كعاصمة عربية تحمل لواء المقاومة، وخاصة بعدما ذهب الفدائيون من بيروت، حيث بدأت تتحول تدريجياً إلى شيء آخر.

ومن جهة أخرى المجتمع اللبناني توجه نحو الانقسامات وتكريسها، فبدأت هذه الانقسامات تنغرس بعقلية الناس معززة بالصعوبات المعيشية.

الجو مختلف الآن، والعمل الجماعي الذي بقي في العمل أظهر كيف أن الحوار والحكايات بعد أن كانت توحد الناس أصبحت تفرق بينهم، وبالتالي أصبح المسرح ينقل صورة الانقسام والاختلافات، أي أن القصة نفسها يراها كل شخص من وجهة نظر معينة، وهذا يؤدي إلى توتر بين الممثلين على المسرح، وهذا ما أظهرناه في «جنينة الصنايع» و«مذكرات أيوب» وغيرها..

بقيت العلاقة مع الجمهور والحياة صادقة وقوية، والحكايات صحيحة، والأسلوب هو أسلوب الراوي الذي يبني علاقة مباشرة مع الجمهور، ولكن تغير المضمون لأن الحكايات والمشاهد تتشظى، فكل مشهد يأتي نقيض ما قبله، والممثلون مختلفون مع بعضهم وضائعون في هذه القصص.. هذا الذي تغير، ولكن المنهجية هي نفسها في العلاقة مع الناس، ففي بعض الأحيان يكون الناس متحمسين للقضية والمقاومة، فيعبر الحكواتي إيجابياً عن هذا الموضوع، أما عندما لا يكون الوضع هكذا، فنحن لا نستطيع اختلاقه أو الكذب على أنفسنا، فنحكي حكايات عن الذاكرة ونحتفل بها!!

برأيك، هل مهمة الفن، مع اختلاف الظروف، هو التعبير عن هذا الواقع كما هو، أم يمكن أن يحوي في مضمونه وجهة نظر معينة يريد الفنان أن يطرحها ويعبر عنها؟

الفن ليس شكلاً واحداً، ولكن الفن بالنسبة لي في خدمة العلاقة مع الواقع ومعرفته وطرح الأسئلة. ليس لدي وجهة نظر غير التركيز على المواضيع، أما وجهة النظر فتأتي من الناس، وقد تكون وجهة نظر إيجابية أو سلبية. أما مهمتي فهي طرح الموضوع بصورة تركز على القضايا التي أراها أنا أساسية، فمثلاً في الفترة الماضية النقطة الأساسية كانت هي البحث عن الهوية انطلاقاً من مقاومة الجنوب ضد إسرائيل والالتفاف حول القضية الفلسطينية. أرى اليوم القضية هي الانقسامات الطائفية وفقدان القيم التي صنعت المجتمع اللبناني من هجرة وغيرها...

ذكرت أنه في الماضي كان هناك التفاف عام من الشارع حول القضية الفلسطينية والمقاومة، وفي التسعينات أصبح هناك حالة انقسام طائفي، ولكن برأيك ألا يوجد في الساحة اليوم طرحان مختلفان، طرح وطني مقاوم، وطرح آخر طائفي؟

نعم، صحيح، ولكن كل شيء يترجم بلغة طائفية وهذا شيء مؤسف؟ كل القضايا تترجم بلغة طائفية، ليس فقط عند القيادات والحكومات، ولكن أيضاً بلغة الناس والفئات الشعبية، وكل فئة تتحدث بلغة طائفية. والأسوأ من ذلك أن المثقفين والإعلاميين صار كل واحد منهم له لون طائفي، مع أن دور المثقف عكس ذلك.. اليوم نجد مثقفي 14 آذار، مثقفي المعارضة، مثقفي حزب الله..

ألا يوجد في لبنان أية قوة تتجه باتجاه توحيد المجتمع؟

 لا يوجد بشكل واضح، إذا وجدت فهي غير فاعلة، فنحن مثلاً نشاهد السيد حسن نصر الله في خطاب منطقي جداً وواضح ومقنع، ويمكن أن يوحد قسماً كبيراً من المجتمع، ولكن بمجرد أن ينتهي هذا الخطاب ماذا ترى؟ أناشيد طائفية، لغة طائفية بالموسيقى والصور والكلام..

ولا يمكن الفصل بين الاثنين، هذه غلطة ثقافية فنية، ولكن الثقافة والفن يساعدان بتحديد الفعل والكلام، فبدل أن يكون هذا الخطاب منفتحاً على أوسع فئة من الناس يحصر مباشرة بفئة طائفية.

هناك من يعتقد بأن الممثل يجب أن يقوم بأي دور بغض النظر عن قناعاته؟

-- أن يحسن الممثل تقنياته الجسدية والصوتية فهذا أمر ضروري ومفيد، ولكن وضع هذه القاعدة شرطاً أساسياً أمر مغلوط..

هناك ممثلون يعتقدون بأن مهمتهم تكمن في إتقان الشخصية التي يلعبونها في العرض دون أن يتحملوا مسؤولية العرض ككل، ومقولة هذا العرض.

-- هذا منهج موجود في الحياة وأنا لست ضده، ولكني لست معه. قناعتي أن الممثل يتحمل مسؤولية كاملة وشاملة عن كل ما يقدمه من أعمال، وهذا الذي يخلق المسرح الملتزم.

آخر تعديل على السبت, 10 أيلول/سبتمبر 2016 21:08