رسام الكاريكاتير رائد خليل لـ«قاسيون»: رسوماتي تحمل هموم الفقراء والضعفاء
رائد خليل فنان كاريكاتير سوري لمع نجمه في السنوات العشر الماضية، وأثبت حضوراً وجدارة على المستوى العالمي، ونال العديد من الجوائز الدولية..
يقول رائد خليل عن بدايته المبكرة: «كل ما يراه الطفل يشكل رسائل بصرية لديه، وهذه الرسائل تظل في مخزون الذاكرة. ولكن الشرارة الأولى بالنسبة لي انطلقت في المرحلة الابتدائية بتحفيز من أستاذي «مدحت كنعان» الذي كان رساماً وخطاطاً، وهو من الفنانين المهمين جداً، وقد شجعني وحبّب لي هذا الفن.. فصرت أتابع الصحف السياسية، وأنقل عنها... بعدها بدأت أشكّل لوحتي الخاصة.. رسمت لوحات عن «كامب ديفيد» وعن الجرائم الصهيونية وبدأ يتكون وعيي السياسي.. هكذا كانت الشرارة الأولى.. أنا ابن بيئة خطيرة.. ودائماً كنت أحس بالمعاناة، وأحس بالمسألة الطبقية.. هذه المعاناة خلقت عندي حالة ردة فعل تجاه الواقع...
المعرض الأول الذي أقمته في المرحلة الابتدائية كان نقلاً عن الصحف.. وقد رسمت 44 لوحة.. وقتها كانت معاناتي كبيرة، إذ كنت أدخر لأشتري علبة الحبر، وكنت أرسم بريش الدجاج.. كل هذا الهم حملته معي للمرحلة الإعدادية حيث أنجزت المعرض الثاني، وأسعدني قيام التلفزيون السوري حينها بتصوير المعرض وإجراء لقاء معي، ثم أعاد اللقاء أكثر من مرة... كل رسوماتي تحمل هم الفقراء والضعفاء ولقمة العيش، وأعتقد أن هذه المسائل تهم كل فقراء العالم.. وكل إنسان يؤمن بالإنسانية».
رائد خليل يؤكد أن شخصيته الإبداعية لم تتأثر بشكل مباشر بفنانين محددين، وأن خط الفنان «هو خلاصة تأملات واجتهادات.. كان علي أن أطلع على كل المدارس لأمتّن موهبتي، فعندما يكون الفنان منعزلاً في غرفته، وتعطيه ورقة وقلماً لن يستطيع أن يرسم شيئاً..
هناك ملايين النوافذ المفتوحة في الأفق، والإنسان الذي يملك طموحاً هو القادر على فتح هذه النوافذ.. والساحة دائماً مفتوحة للجميع، وهنا تبدأ عملية التكوين عند الفنان.. عملية التأثّر والتأثير.. أما بالنسبة للفنانين الآخرين فإنني أحب لدى كل فنان نقطة معينة.. عند هذا الفنان الفكرة.. عند ذاك الخط.. إلخ.. فكل فنان له ميزة».
أما عن حضور الفكرة لديه وتجددها الدائم، فيقول: «من المفترض أن يغمس الفنان كل تفاصل حياته بعالمه الإبداعي.. يجب أن تتحول كل انطباعاته ومشاهداته وأحاسيسه إلى كاريكاتير.. في داخل الفنان هناك آلة تشبه آلة عاكسة سينمائية.. هذه الآلة تعرض على الدماغ هذا المنظور الذي يراه. اللوحة يجب أن تكون متكاملة، وكأنك تشاهد مشهداً درامياً. وحتى يدخل القارئ إلى عمق هذه اللوحة ويحل الخطوط يجب أن تتوفر له فيها مساحة بصرية واسعة ليتسنى له فك رموزها، ويتشرب معانيها ويستوعب الأفكار التي تحملها».
وعما تقدمه الثقافة المتنوعة للفنان ليستمر بالإبداع، يرى «خليل» أن «المشاهدات والقراءات هي مخزون للذاكرة الفنية عند الفنان، وتضيف لموهبته الكثير.. وتجعله متوثباً وحاضر البديهة.. بالنسبة لي أكثر قراءاتي فلسفية، لأن الفلسفة تؤثر على مستوى عمق العمل الفني.. واللوحة التي لا تستوقفك حسب «دافينشي» لا تسمى لوحة.. الفن الكاريكاتوري عليه أن يحقق معادلة صعبة: عمق الفكرة، والوعاء الفني الحامل لهذا الفكرة، وهذا أمر عسير»..
وبالنسبة لفكرة المهرجان السنوي الذي يقيمه سنوياً وظروف ولادتها، خصوصاً وأن أحداً من الفنانين السوريين لم يجرؤ على القيام بهذه الخطوة من قبل، يقول بتواضع: «أنا في الحقيقة رجل أحب المغامرة. الفكرة كانت موجودة مثل الحلم، كنت دائماً أطرح سؤالاً على نفسي وعلى الآخرين: لماذا لا يوجد لدينا مهرجان للكاريكاتير؟ في كل دول العالم هناك مهرجانات، حتى في قبرص، الجزيرة الصغيرة.. لماذا الدول العربية غائبة عن هذا الموضوع؟ وهذه الفكرة لم تتحقق إلا بعد لقائي مع الرئيس بشار الأسد».
رائد خليل يؤكد أنه ليس من طلب اللقاء، مع الرئيس: «سيادته هو من طلب لقائي بعد رفضي لجائزة الأمم المتحدة.. جائزة كوفي عنان.. وكان من ضمن ما جرى الحديث حوله سؤاله لي: ماذا تريد من أجل تطوير الكاريكاتير في سورية؟ قلت: أريد مهرجاناً، لأنه من الضروري أن نستضيف فنانين عالميين ونطلع على تجاربهم.. فأعطاني مفاتيح كل الأبواب المغلقة، وتبنت وزارة الإعلام المشروع.. والآن هناك دعم مادي ومعنوي من السيد الرئيس شخصياً لاستمرار المشروع.. وهذه هي السنة الرابعة التي نقيم فيها المهرجان... الكادر قليل، وكل العبء علي.. ولكنني أبذل ما بوسعي ليكون المهرجان ناجحاً على الدوام، والحقيقة أننا إذا قسنا عدد الدول التي استضفناها ونستضيفها ونوعية الفنانين العالميين ولجان التحكيم، نستنتج أن المهرجان يسير بخطى ثابتة إلى الأمام»..
وعن المهرجان الذي سيقيمه هذا العام، بيّن: «هذا العام خصصنا المهرجان للتعبير عن الثقافة والفن في كل بلد مشارك.. وهو موضوع حساس، لأن الجميع سيأتون حاملين ثقافتهم، وكل فنان سيعبر من خلال ريشته عن ثقافة بلده... مهمتنا هذا العام أن نجعل الفنان أو المشاهد السوري يطلع على أكبر قدر ممكن من الأعمال الفنية المعبرة عن ثقافات الآخرين، وكذلك التقنية والأساليب الحديثة في هذا الفن الصعب.. من جهة أخرى سنحاول أن نعرّف الآخرين على بلادنا وثقافتها، فمعظم الشعوب تجهل حتى موقع بلادنا على الخارطة.. فما بالك بمثقفينا وفنانينا؟؟ لا تقاس حضارة بلد إلا بمثقفيها. أحد جنرالات الروس قيل له: لماذا وضعت الفنانين والشعراء في مؤخرة الجبهة؟ قال: إذا فقدت أحدهم أين سأجد البديل»؟!
وإن كان من أهداف المهرجان اكتشاف فنانين سوريين جدد، يقول: ««نعم. نحن في كل عام نكتشف فنانين سوريين جدداً.. فنانو الكاريكاتير السوريون قلائل جداً، ونسعى دائماً لاكتشاف المزيد من المواهب.. هذا بالضبط ما نرغبه».
أما عن طموحاته المستقبلية، فيقول: «بعيداً عن التواضع، ما أزال على الشاطئ، والطموح ليس له حدود، وخيالي لا يتوقف عند سقف معين».
وعن الاتهامات التي توجه إليه من زملاء المهنة وبعض المثقفين السوريين يجيب بنبرة حزينة:
«رائد خليل لن يرد على الاتهامات والإساءات أبداً مهما كان حجمها أو نوعها.. وسيبقى همه الناس البسطاء، والارتقاء بفن الكاريكاتير»..