ربّما! شعر العامية
ما نزال ننظر باستخفاف إلى الشعر المكتوب باللهجات العامية، وكأن معنى الشعر يكمن في القصيدة الفصيحة فقط، ويقتصر عليها. والمفارقة أننا نتقبل شعر اللغات الأخرى بحبور حين يترجم إلى العربية، علماً أن الكثير مما يُعتبر من عيون الشعر مكتوب بالأصل بلهجات محلية، كشعر الغجر أو قبائل الهنود الحمر، ولعلها (تلك اللهجات) لا تحظى بعدد كبير من الناطقين بها، وتقتصر على مساحات جغرافية صغيرة.
مضى وقت طويل على هذا النوع من الشعر وهو في أشد حالات الإهمال والقوقعة، لعوامل عديدة متداخلة فيما بينها، من أبرزها، وبشكل أساسي، قداسة العربية الفصحى، وكذلك مشكلة التواصل بين اللهجات، بحيث ينحصر الإنتاج الإبداعي في هذا المجال ضمن الإقليم اللغوي الواحد. على العموم.. ينحدر الشعر العامي من الثقافة و الكتابة، في حين أن الشعر الشعبي ـ و كثيراً ما تُساق الأحاديث عنهما دون تمييزـ ينتمي إلى الحالة الشفهية، فهو انتقل من حالة الإنتاج الجماعي التي تعبّر عنها الأوزان إلى أفق التجربة الفردية، ومن حيز التداول في أطر المبارزات الزجلية إلى عالم الكتب والانتشار ورقياً.
الملامح العامة للقصيدة العامية العربية وجدت تعبيرها الأمثل في ثلاث لهجات هي المصرية واللبنانية والعراقية.. أما الحديث عن شعر عامي سوري صرف فغير وارد نظراً لاندماج اللهجات السورية مع الدول المجاورة، كما في اشتباك لهجة الجزيرة مع العراقية، على سبيل المثال، ولاهتمام الشعراء بالنظم ضمن المتوارث النغمي الشفاهي لأغراض غنائية بالدرجة الأولى، ولكون سورية من أكثر الدول العربية التي تتولى مسألة الحفاظ على الفصحى، والمساهمات السورية في تجديد الشعر العربي كانت تتم على صعيد الشعر الفصيح.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.