تراث أيروتيكية الإمام السيوطي
يعد الإمام جلال الدين السيوطي من بين أشهر العلماء والفقهاء في التاريخ الإسلامي، وقد عاش في آواخر العصر المملوكي في فترة كانت الحضارة الإسلامية فيها قد وصلت إلى درجة كبيرة من التراجع والانحدار بحيث لم يكن باستطاعته أن يكون فقيها مجددا أو مفكرا تنويريا، وعلى الرغم من ذلك فقد كان السيوطي كاتبا موسوعيا على درجة كبيرة من الثقافة وسعة الإطلاع مما مكنه من استيعاب كل معارف وعلوم عصره، والكتابة في كل المجالات والميادين، فناهزت مؤلفاته الستمائة كتاب كما يقول بعض المؤرخين، ومازالت مؤلفات السيوطي رائجة ومتداولة حتى يومنا هذا، وخاصة ما يتعلق منها بالفقه والحديث وعلوم القرآن.
إلا أن نشاط السيوطي التأليفي لم يقتصر على كتب مثل «إعراب القرآن» و«الحاوي للفتاوي» و«الإتقان في علوم القرآن»، فقد أوصلته سعة اهتماماته إلى الكتابة في موضوع يعتبر في أيامنا موضوعا شائكا ومحرما، واعني الموضوع الجنسي، ويدهش المطلع على أسماء الكتب التي تنسب للسيوطي من كثرة المصنفات التي وضعها في هذا المجال، بحيث يمكن اعتباره أحد أهم الكتاب الايروتيكيين في التراث العربي.
وعلى الرغم من كثرة المشاكل التي تعرض لها السيوطي في حياته فإننا لم نسمع أن أحدا قد تعرض له أو انتقص من قيمته بسبب كتاباته تلك، فقد تعامل الأقدمون مع هذا الموضوع على مايبدو بأريحية وتسامح كبيرين، ولم يحاولوا ان يفرضوا حالة ثقافية طهرانية تمنع كل أشكال التعبير الجنسي كما يحاول البعض في أيامنا أن يفعل، ويتأكد هذا إذا عرفنا ان السيوطي لم يكتفِ في مؤلفاته المذكورة بذكر الأحكام الفقهية المعروفة في مسائل النكاح، بل تجاوز ذلك إلى إيراد الكثير من النصائح الجنسية لنيل أكبر قدر من اللذة الجنسية أثناء الجماع، ولزيادة القوة والشهوة الجنسية لدى الرجل والمرأة، وإلى سرد الكثير من القصص والنوادر والأشعار والأمثال حول الموضوع بلغة حسية صريحة، موردا دون تحرج الكثير من الكلمات التي تعتبر في زماننا كلمات (سوقية). فخرجت كتبه بأسلوب أدبي جميل، وأصبحت أنموذجا للأدب الأيروتيكي العربي الذي مازال يعاني من المنع والمصادرة حتى يومنا هذا.
ومن اهم مؤلفات السيوطي في هذا المجال كتابي «الإيضاح في علم النكاح» و «الوشاح في فوائد النكاح» وهما يجمعان بين الأسلوبين الفقهي والعلمي والأسلوب الأدبي«رشف الزلال في السحر الحلال» وهو من أهم الكتب في أدب الجنس حيث يروي فيه قصة واحد وعشرين عالما دينيا تزوج كل منهم إمرأة عذراء، ووصفوا ليلة دخلتهم على زوجاتهم بأسلوب أدبي شيق «شقائق الأترنج في دقائق الغنج»ويتحدث فيه عن الغنج وهو الأصوات المثيرة التي تصدرها المرأة أثناء الممارسة الجنسية، ويُفصِّل في أصنافه ويناقش مشروعيته من الناحية الفقهية «اليواقيت الثمينة في فضائل السمينة» ويتحدث فيه عن أفضلية المرأة ممتلئة الجسم في إرضاء شهوات الرجل. بالإضافة إلى كتابه الصغير ذائع الصيت «نواضر الأيك في معرفة...» (لا نجرؤ على ذكر العنوان الكامل للكتاب خوفا من مقص الرقيب)، وهو من أكثر كتبه تكثيفا وأشدها صراحة وجرأة، وقد جمع فيه من مختلف المصادر الكثير من الأشعار والقصص والنوادر والنصائح والمعلومات الجنسية.
وفي النهاية نقول إن ذلك الإمام التقي الورع كان أكثر تحرراً من كل مثقفينا الحداثيين، حيث استطاع أن يلقي الضوء على جانب مهم من حياة مجتمعه بكل عفوية وبساطة، في حين تهب في حاضرنا العواصف وتندلع المعارك من أجل مجرد رواية أو قصيدة شعرية تحمل شيئا من التعبير الجنسي الذي يبدو ضئيلا جدا إذا ما قورن بماكتبه السيوطي او غيره من مثقفي الماضي.
■ محمد سامي الكيال
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.