مطبات وردة حمراء... للذاهلين
«نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلاً» محمود درويش
سيتبادل العشاق الورد الأحمر، وستمتلئ محال الورد عن بكرة أبيها بالذاهبين إلى خلوة حمراء... بوردة حمراء.
تصير كل أشيائهم حمراء، ملاعقهم، دفاترهم، أقلامهم، ودفتر مذكراتهم، فهو يوم واحد في السنة للون الأحمر... والقلب المضرج بسهم ذي شقين.
ستغلق باب توما أبوابها على عاشقيها، وتغص الصالحية بالباحثين عن هدايا تليق بهذا اليوم، أما سوق الحمراء، فسيدجج بالرجال الوافدين طلباً لقطعة لباس داخلي أحمر لامرأة يواعدونها هذا المساء، وسيضحك بائع الورد فقد نفذت كل الورود الحقيقية، ولديه ما تريد من ورود حمراء من شمع أو بلاستيك... لهذا المساء الأحمر.
سيارة الزفاف المستأجرة (الليموزين) بلونها الأبيض، تزينها (البوالين) الحمراء، والورود الحمراء، والسائق الذي يرتدي قبعة حمراء، وترسل كل أكاليل الورد الحمراء... إلى الصالة الحمراء... لليلة...
سيلتقي العشاق في الحدائق، المطاعم، الكافتريات، يملؤون الشوارع... شوارع العشاق، يحملون ورودهم، يسترقون لحظة واحدة، لقبلة بلون النجيع.
أما أصحاب المشاتل... ستنقذ ورودهم، وسيعتبرون أن يوم سعدهم، يوم الحب... لا زنابق ولا ورد أحمر مستورد، يوم الحب... يومٌ لأرباحهم.
المحلات التي تبيع الهدايا، ستبيع كل (الدبب) الحمراء، والقرود الحمراء، والشموع الحمراء... يوم الحب، يوم لأرباحهم.
ولكن... سيمر اليوم الأحمر على الكثيرين دون أن يتذكروه... كثيرون هم مَنْ لا يملكون ثمن وردة حمراء، وليس لهم مواعيد في مسائه... بعضهم سيجلس خلف مقود سيارة عمومية، وآخرون خلف مكاتبهم، والأغلبية خلف بسطاتهم.
في هذا المساء البارد، سيذهب الكثيرون إلى (الكازيات)، ليعيشوا مع أطفالهم مساءً دافئاً على الأقل، والعائد من عمل إضافي سيضع رأسه على وسادة قاسية وينام.
في هذا المساء سيعد الكثيرون ما تبقى من راتب الشهر إن وجد، ويفكر الكثيرون من أين سيستدينون لإتمام الشهر، أما أكثرهم تفاؤلاً... فسيودع عائلته وعيناه مغمضتان ويقول: كل عام وأنتم بخير.
العائلات السعيدة بهذا اليوم في السوار الذي يزنر خصر الشوارع الفارهة، ستكتفي بالسهر حول جهاز التلفزيون الذي يبث غرائب هذا العالم المجنون في هذا اليوم المجنون.
ستجلس أمي وتغني أغنية حزن لوالدي، وأغنية حنين لأرضها المسروقة منذ عقود على أمل العودة، سيضحك الرجل الهرم من فكرة العيد، ويتنهد بحسرة ما آل إليه وضعنا.
ستسخر معظم نساء الحي من عيد الحب... فالصباح لديهن عمل.. والمساء استعداد لذلك الصباح، فالحب أن تكون قادراً على إطعام الصغار الذاهبين إلى المدرسة بحقائب فارغة من (عروسة الزعتر).
سينقسم العالم في هذا اليوم، أمهات ثكالى في بغداد وغزة، وراقصون في هوليوود، مخمورون، وفي شيكاغو جريمة قتل في الشارع مضرجة باللون الأحمر، هاربون في كينيا، تفجير في أفغانستان.. سننقسم نصفين... مشاة في الطريق إلى السرافيس البائسة... وراكبو سيارات متعجرفون بورودهم... أما الفقراء فيحتفلون بتأمين رغيف خبز لعشاء فقير، لمساء فقير بلا ألوان.
في هذا اليوم الأحمر، كلٌ يحب على هواه، مائعون، أصحاب دخل محدود... مختلسون، لصوص... مسؤولون بلا مسؤولية... أصحاب فكر... جرائد ساقطة... جرائد متزنة، لصٌّ يحتفل مع زانية بوردة حمراء.
كل الذاهلين... الذين يعدون أيامهم خوفاً من إشاعات لا تخلو من الحقيقة حول رفع الدعم نهائياً عن المواد الأساسية، عندما سيصل سعر الليتر الواحد من المازوت إلى 35 ليرة سورية.. عندما ستنفذ الحكومة مشاريعها وتجاربها الاقتصادية، ويتحول السوريون إلى باحثين عن لقمة الخبز... لا عن الورد.
كل الذاهلين... الذين يصحون على سعر وينامون على سعر جديد... العالقين بين احتكار التاجر وحياد الحكومة... ووعودها المضحكة.
ستسأل امرأة في السوق هذا اليوم: أيهما أغلى على القلب... جرزة بقدونس، أم وردة حمراء؟
لا وقت للحب... للورد الأحمر.. عندما تصيح بطون الصغار، عندها تسقط كل حواس الغريزة... اللون الأحمر.. رائحة الورد... ومتعة الانزواء.
وردة حمراء... لكل الذاهلين..