قيس مصطفى قيس مصطفى

عادل محمود موقّعاً روايته«إلى الأبد ويوم»: تصفية الحساب مع الماضي

وقع الشاعر عادل محمود روايته الأولى «إلى الأبد ويوم» الصادرة عن «دار أرابيسك» التي يديرها عادل محمود نفسه، وذلك في فندق برج الفردوس، بحضور عدد كبير من الكتاب والصحفيين والفنانين وقراء الشاعر ومعجبيه، الذين تفاجؤوا بدخول صاحب «ضمير المتكلم» إلى عالم الرواية دون سابق إنذار. وكانت «إلى الأبد ويوم» قد نالت جائزة المركز الأول في الرواية بمسابقة دبي للإبداع  في دورتها الخامسة لعام 2007. وقد اختار عادل محمود الغلاف ذاته الذي كانت الرواية قد صدرت به عن دار «الصدى» ومجلة «دبي الثقافية» اللتين كانتا قد نشرتا الرواية بطبعتها الأولى. وألقى كل من الكتّاب أحمد تيناوي ولقمان ديركي وعمر قدور وحكيم مرزوقي كلمات تحدثوا فيها عن الرواية وما تحويها من عوالم مختلفة..  موغلة في خصوصيتها.

اللافت في حفل توقيع عادل محمود لروايته، هو الإقبال الواسع على اقتناء الكتاب؛ الأمر الذي يؤكد أنَّ حفلات تواقيع الكتب التي غالباً ما يعرض عنها الكتّاب، نظراً لما يرونه من إحجام على القدوم إلى تلك الحفلات، هي مسألة تتعلق بالكاتب بالدرجة الأولى، وبدرجة حضوره وفعاليته الثقافية، ومدى قدرته على إقناع الآخرين بنصه، وبقدر ما يكون قادراً على الالتصاق بالحياة والناس.

«لم تكن هذه البلاد، في لحظة من اللحظات، إلا بؤرة حقيقية للسرد. هنا تنام بين الزوايا آلاف الحكايات، آلاف القصص المكتومة، المكدسة في ذاكرة الناس وضمائرهم التي غالباً ما تعذبها تلك الحكايات وتقوض طمأنينتهم. غير أنَّ فعل الكتابة، الذي وجد ليتوّج كلّ تلك الحكايات بالتدوين، كان منقوصاً هاهنا. ثمة خيانة من الساردين لهذا المكان من شماله إلى جنوبه. هذا إذا استثنينا قلة لا تكاد تذكر حاولت الالتفات إلى صناعة حياة حقيقية بالكتابة، تعويضاً عن حياة تتعرض كل يوم للبتر في واقع تزداد كل يوم معادلته تعقيداً».. من هذا المنطلق، ومن أجل إعادة الاعتبار للمكان، وإسهاماً في عدم تضييع الحكايات، وعدم إدخال الذاكرة في لعبة النسيان وكل ما تتضمنها من خيانات؛ يأتي إسهام عادل محمود -حتى لو جاء من أجل نيل الجائزة- إضافة لاسترداد ما هو عرضة للنسيان. ولهذا يمكن القول إنَّ رواية عادل محمود رواية سورية بامتياز، فعلُ مداواة لآلام الماضي بكل خساراتها. هكذا تغدو «إلى الأبد ويوم» مشروعاً لتصفية الحساب مع الماضي؛ وذلك من خلال ترمومتر يقيس ذبذبات الحالة السورية، ويندمج في الرواية السيروي مع الموضوعي، العام مع الخاص، من خلال تقنية سردية تذهب إلى دمج الراوي والروائي بالكون وبكل المحاولات والخطط، لفهم هذا المكان خصوصاً في فترتي السبعينيات والثمانينيات، تلك الحقبة العصيبة على الكثيرين ممن حملوا أحلاماً تلامس أعتاب السماء. وتتحدث الرواية عن النزاعات التي عاشتها سورية، ابتداء من فترة الانقلابات العسكرية والحروب العربية الإسرائيلية، وانتهاء باللحظة الراهنة، بما يؤشر لها، بعيداً عن فجاجة الطرح في روايات أخرى، وذلك من أجل تأريخ للحظة خارجية، متمردة أصدق بكثير من أيّة لحظة رسمية أخرى مؤرشفة في مستودعات يشرف عليها موظفون مصابون بالنعاس. ولعلَّ محمود القادم من الشعر، حيث أصدر «قمصان زرقاء للجثث الفاخرة» و«صنعناه من حجر» و«مسودات العالم» وبالإضافة إلى «استعارة مكان» مجموعته الاستثنائية، لم يتخلَّ عن شعريته أبداً في النص الروائي «كرمى لعيون الروائيين»، بل إنه استفاد من ذلك كثيراً، من خلال سحب التكثيف والاختزال الشعري إلى النص الروائي؛ إذ يبدو من الواضح أنَّ اختزالية الشعر وتكثيفه كانا الدافع لكتابة الرواية؛ ذلك أنَّ أشياء كثيرة يجب أن تقال كما هي بعيداً عن مواربة القصيدة ومخاتلتها.

آخر تعديل على السبت, 03 أيلول/سبتمبر 2016 15:14