طارق عبدالواحد طارق عبدالواحد

عن المشهد الإبداعي الفلسطيني، والأفلام، وكريم راشد «نسخة ثانية، منقحة، هادئة، وعقلانية»!!..

في فيلم سينمائي، يطارد الخصوم المزودون بكل الأسلحة المتطورة من رشاشات أتوماتيكية وسيارات ودراجات نارية وهوليكبترات.. البطل الذي يحاول النجاة مع حبيبته على ظهر حصان. وعندما يصبحان في منطقة آمنة، يطلب البطل من حبيبته أن تغادره وأن تلتجئ إلى أحد أصدقائه. وحين ترفض البطلة التخلي عن حبيبها، يقنعهاالبطل بجملة واحدة ونهائية، قائلاً: من دونك.. أنا من يطاردهم!

أنا مولع بالأفلام عموماً، وكريم راشد مولع بالأفلام المصرية..

عرفت بالصدفة البحتة أن الصديق كريم راشد قد قام بالرد على مقالتي «عن المشهد الثقافي والإبداعي الفلسطيني» عبر مقالتين ناريتين نشرتهما مجلة الحرية ربما عملاً بالمثل القائل: رد له الصاع صاعين، ذلك أن كريم راشد لا يقيم أي اعتبار للمستويات المجازية في اللغة، وبالتالي فلا أحد يستطيع أن يقنعه بأن كل مقالة مفردة يمكن أن تنطوي تحت عنوان: رد الصاع خمسين صاعاً.

وبسبب علاقته الركيكة مع اللغة، يتساءل عن السبب وراء استخدامي مفردة «الحظيرة» ليكتشف فوراً أن الحقد والكراهية هما الدافعان لذلك، ويبدو أن الصحفي العزيز لم يقرأ جملة من قبيل: «وهذا باحث معاصر هو محمد تقي المدرسي، قد يكون من أتباع الخميني سياسياً، لكنه يقف موقف السلب والعداء من الفلسفة والتصوف».. «ولو صح هذا الكلام لحكم على الخميني بالخروج من حظيرة الإيمان ومن دائرة الإسلام. علي حرب- الناقد- عدد 70 نيسان-1994».

وبالمناسبة، فإن كريم شاعر أيضاً، وقد نال جائزة في إحدى المسابقات الشعرية. وهو يعرف تماماً (والآخرون أيضاً) أن المسابقة تلك تندرج في سياق سياسي، وليس إبداعياً، ذلك أن كريم راشد ليس من أتباع محمد تقي المدرسي!..

أيضاً، كريم راشد على علاقة درئية مع التقاليد الصحفية، فهو لم يتبع أبسط القواعد والأعراف الصحفية التي توجب عليه الرد في المطبوعة نفسها (وفي المكان نفسه)، وآثر أن ينشر ردوده في الحرية (أقصد مجلة الحرية)، ربما لأنه سيد تقدمي!..

في مقالته الأولى (من الحقد ما يعمي البصيرة) يتمنى عليّ كريم ألا أنزلق إلى بركة المفردات الآسنة والشتائمية (لقد أخذت بنصيحته) لأن أصحاب الألسنة الطويلة أشطر مني في الردح والذم (أنا متأكد من ذلك). وفي مقالته الثانية (مرضى الوهم) يفقد السيد التقدمي أعصابه، ويخلع قفازيه، ويرتدي البدلة الكاكي، ويقود المناظرة (أقصد المعركة)، بأعنف تجلياتها لأن «بعض الأفواه يجب أن تغلق»، ليس بسبب قول الحقيقة (ما لنا وما للحقيقة!!) بل بسبب «أنفاسي الكريهة». ولا يغادر الحلبة قبل أن يدلي باكتشافه المثير، إلى أنني لست أكثر من «مخبر مصري كما يظهر في الأفلام المصرية إن لم يجد موضعاً لتقاريره يكتب عن أمه وأخته» (!!)..

واضح أن السيد التقدمي يتابع الأفلام المصرية (لم أقرأ له مثلاً مقالاً عن الفيلم الفلسطيني الجنة الآن!)، وواضح أن ثيمة «المخبر» قائمة في بنيته العقلية والوجدانية والذهنية، كما عند الكثير من الآخرين، وهذا وحده سبب كاف لتفسير ظاهرة النفاق الرائجة.

الحقيقة أن كريم غير مهتم بالأفلام المصرية، بل هو مهتم بالأفلمة! وأنا، حقاً، لا أريد إحراجه في هذا الموضوع بالذات. فالمخبرون لا يكتبون تقاريرهم في الصحف (على الأقل في الأفلام التي يشاهدها الصديق العزيز). ويعرف أصدقائي الفلسطينيون، وهم كثيرون (أظن أن بعضهم سيتنصل من صداقتي) أنني لم أكن يوماً صامتاً أو متربصاً أو منافقاً، بل كنت دائماً شجاعاً وصريحاً وغاضباً..

كذلك، يبدو الصديق التقدمي على علاقة رديئة بالقراءة، مجرد القراءة (وأنا لست متفاجئاً) فمن الواضح أنه لم يفهم المراد من المقالة. والمقالة تقول: إن مشكلة المشهد الإبداعي الفلسطيني ( في سورية مرة أخرى) ليست في الإبداع بل في الفساد. يعني: ليست المشكلة في الخواء أو في الضحالة، بل في النفاق والجلبة. ومنطقياً.. لا يمكنك أن تطالب شعباً أو جماعة بالإبداع.. وأيضاً لا يمكنك أن تطالب شعباً أو جماعة بالتخلّق. وجوهر الظاهرة هو بالضبط ما يلي: إن «المبدع الفلسطيني» يشعر بداخله بالعجز عن الإبداع فيذهب إلى صناعة الجلبة. والجلبة هذه ليست موجودة في سلوك «المبدع» وحسب.. بل في نصه أيضاً.

وبالطبع، يمكن سحب هذه الظاهرة على جميع المستويات الأدبية في العالم، ولكن المشكلة تكمن في (وهذا ما حاولت قوله في مقالتي) أن فساداً في المشهد الإبداعي الفلسطيني لا يمكن قبوله إذا ما افترضنا أن المبدعين الفلسطينيين هم الضامن الأخلاقي للثورة. وزيادة، أعتقد أن الورقة الأخلاقية هي الجوكر الأخير، وليس سراً أن الثورة الفلسطينية خسرت الكثير من مواقعها في العالم بعد انكشاف فساد المؤسسة السياسية الفلسطينية.

وبالمناسبة، هذه ليست نزعة أخلاقوية، فأنا لست واعظاً، ولا أطمح بأي حال، لنيل هذا اللقب. وطبيعي أن أقوالي ليست شتائم، حتى وإن شعر البعض أنها تمس مصالحهم وأدوارهم. وأنا متأكد من صحة ما ورد في ردك بأنك تعرف «أضعاف ما أعرفه عن المشهد الإبداعي الفلسطيني». وأشعر أنك لا تركن إلى الصمت من أجل الظفر بأدنى مراتب الإيمان، ولكنني لا أستطيع أن أفسر انضمامك إلى الجوقة. وهنا مثالاً، أدعو القارئ إلى قراءة ما كتبه السيد التقدمي عن «مهرجان قصيدة النثر الأولى في سورية» وعن صديقه مدير المهرجان، ومقارنة ذلك بما كتبه شاب آخر يدعى قيس مصطفى، هو فلسطيني بالمناسبة، عن الموضوع  نفسه ونشرته قاسيون. وللعلم فإن سنوات تجربة كريم راشد الكتابية أكثر من سنوات عمر قيس مصطفى.. المسألة مسألة خيارات.

حقاً، لم أود الانجرار إلى المسائل الشخصية، ولكن كريم راشد يبدو في مقالتيه وكأنه يضع الكلمات في فمي.

عموماً، أنا مدين بالشكر لكريم راشد لأنه شخص شجاع، فقد كتب ونشر وجهة نظره، أما الآخرون فقد آثروا المنصات الأخرى..

ولأن الأفلام ليست كالواقع دائماً (كريم لا يعرف ذلك) فلم أطلب من حبيبتي أن تلجأ إلى الأصدقاء، فالخصوم لا يريدون رأسي بل يريدون تدميري باغتصاب حبيبتي، ولذلك فهي معي دائماً، أينما كنت، وأينما حللت: حبيبتي شرفي!..

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.