رغم كل ذلك.. تعالي إلى دمشق يا فيروز
الرياضيات في سورية، ليست كالرياضيات في لبنان، فنحن كطلاب سوريين، تعلمنا في الصف الخامس الابتدائي أن هناك أرقاماً لا تقبل القسمة على اثنين، وكبرنا قليلاً لنعرف أن هناك عملات صعبة وأرقاماً صعبة، وأن لكل دولة احتياطياً من العملات الصعبة- لا أعرف إلى متى سيظل هذا الاحتياطي احتياطياً عندنا- وأن هناك أشخاصاً يتقاضون بالعملات الصعبة، أرقاماً صعبة نتيجة لامتلاكهم خبرات ومؤهلات، وأن هناك من يقبضون بالعملات الصعبة دون أن تكون لهم أي من المؤهلات، بل لأنهم الأقدر على التفريط والمساومة..
أما الأخوة الفينيقيون، فلربما كانوا بحاجة للدراسة في المدارس السورية، رغم السمعة العلمية غير الطيبة لمدارسنا، ليعرفوا فقط أن السيدة فيروز، هي رقم لا يقبل القسمة على اثنين، وأنها عملة صعبة ورقم صعب أيضاً، وإلا لما كانوا أطلقوا مناشدتهم الساذجة لفيروز بألا تأتي إلى دمشق، ولنحيي اسكندر حبش وبيار أبي صعب، اللذين تصديا للحملة الشعواء التي شنها بعض الحاقدين على فيروز التي أعلنت رغبتها بالقدوم إلى دمشق للغناء للشعب السوري، إذ يستحق الرجلان أن نخلع قبعاتنا احتراماً لموقفهما الإنساني والثقافي والأخلاقي، والرجلان يشرفان على الصفحات الثقافية في جريدة السفير والأخبار اللبنانيتين، وصفحاتهما المفتوحة على التنوع والثقافة المغايرة والمنفتحة، تعبير حقيقي عنهما وعن منطقهما في التفكير والانفتاح.
أما من جهة أخرى فلم يكن ينقص السوريين إلا أن يتولى زمام الثقافة أشخاص ليسوا من ذوي الدخل المحدود، هؤلاء الأشخاص، الذين لا نعرف من هم، وبأي آلية يقررون، قرروا أسعار حفلة السيدة فيروز، معتبرين السماء تمطر ذهباً وفضة، على الطلاب الذين لا يميزون بين نكهة الفلافل، الأكلة الشعبية الذائعة الصيت، وبين المرتديلا. باعتبارها ترفاً غير ضروري أبداً، في رحاب المدينة الجامعية.
لم يقف الذين قرروا أسعار الحفلة، على عتبات محطات الوقود علهم يحصلون على بعض الليترات من الوقود، الذي يقيهم من هذا الصقيع، ولذلك قرروا الآتي: بدء بيع البطاقات اعتباراً من يوم23/1 وحتى27/1 في دار الأسد للثقافة والفنون مابين الساعة الرابعة والساعة التاسعة مساء، وستكون أسعار البطاقات على الشكل التالي: 2000، 5000، 8000، 10000، وقد ذيل الإعلان الصادر عن الأمانة العامة للاحتفالية بأن ريع البطاقات سيرصد لتمويل مشروع ثقافي ضمن إطار فعاليات الاحتفالية، هذا التذييل الذي لا يعدو كونه ضحكاً على اللحى، ومزحة ليست في مكانها، وكأن الاحتفالية لم يرصد لها ميزانية لتمويل المشاريع، هذه الميزانية التي يدفعها الشعب السوري بأكمله، هذا الشعب الذي يريد أن ينفق أمواله على الثقافة، لا على سيارات محترفي الهدر وتبديد الأموال في مشاريع لا تنجز، وخطط محبطة مسبقاً.
ولعل كتابة تعليق عن أسعار البطاقات تغدو ضرباً من العبث، إذ لا تتاح للعلن الأرقام التي نعرف بها متوسط دخل الفرد السوري، ولكننا نعرف بالتأكيد أن دفع مبلغ من الأرقام التي تطالب بها الأمانة العامة يثقل كاهل أي فرد سوري، وليتنعم أصحاب السيارات الفارهة والقصور الشاهقة، بسفيرتنا إلى النجوم، ليتنعموا كثيراً، أما نحن فهذا الزمن لا يريد أن يوفر ممتعة وفرحاً لنا.
لن تتاح لنا فرصة أن نرى فيروز، ولن نحدث أولادنا بافتخار، ونحن نرفع أنوفنا بأننا رأيناها بالعين المجردة، وليحدث الأغنياء أولادهم عنها، لكنهم يعرفون جيداً في قرارة أنفسهم أن فيروز غنت لنا، نحن الفقراء الذين نركب سيارات « مش عم تمشي» والذين يصم آذاننا «هدير البوسطة».
يقول إعلان الأمانة العامة إنه يحق لكل شخص أن يشتري بطاقتين فقط لا غير، وسوف يسجل اسم كل متفرج على بطاقته، وسيتم إبراز الهوية الشخصية مع كل بطاقة عند الدخول، وتبدأ الحفلات الساعة الثامنة والنصف، كما تفتح أبواب دار الأسد الساعة السابعة وتغلق الساعة الثامنة، هذا وقد تمت تهيئة مواقف للسيارات في أرض معرض دمشق الدولي القديم، بالإضافة إلى باصات نقل داخلي«مجانية» لنقل من يرغب من المتفرجين من أرض المعرض إلى مدخل المسرح.
حسناً أيها السوريون اذهبوا إلى المعرض القديم «ولا تضمن لكم الأمانة العامة للاحتفالية عدم الإصابة بالزكام، إذ إنهم يعملون في الثقافة وليس في وزارة الصحة».
حسناً أيها السوريون، هاهم الذين يريدون رفع الدعم عنكم يربحون مرة أخرى وفي قطاع الثقافة لأن أحداً لا يدافع عنها.. فلم تعد الثقافة خبزنا، ولكن تعالي إلى دمشق يافيروز....