دعوة لحلف عصري للفضول
إن المرحلة الحالية تستدعي استحضار كل ما هو حضاري في تاريخ أمتنا وإدارة بعثه من جديد في صورة حضارية تناسب عصرنا.
و««حلف الفضول»» هو وثيقة هامة من تاريخنا العربي أيدها الرسول الكريم محمد (ص) وشارك فيها بدار عبد الله بن جدعان مع قادة قريش ـ قبل الإسلام ـ وقد قال عنه الرسول (ص) {لقد شهدت في دار ابن جدعان حلفاً، ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعيتُ به في الإسلام لأجبت}.
وقد وصف أحد الشعراء هذا الحلف بقوله:
إن الفضول تحالفوا وتعاقدوا
ألا يقر ببطن مكة ظالمُ
أمرٌ عليه تعاهدوا وتواثقوا
فالجار والمعترُ فيهم سالمُ
أيها الشرفاء في هذا الوطن إن واقعنا الحالي في ظل اقتصاد السوق اللااجتماعي وانسحاب الدولة التدريجي من أداء العديد من وظائفها التنموية والخدمية أو تقليصها، سيؤدي لترك المواطن في العراء دون أية حماية، وسيصبح مضطراً للبحث عن عمل وسكن لوحده، بعدما تعود طويلاً على تفويض الدولة في معظم أموره (غذاء، سكن، عمل، دواء).
إن هذا الوضع سينعكس سلباً على المجتمع من خلال تفاقم ظاهرة البطالة وانعدام العدالة الاجتماعية وتفشي الجريمة وتدهور المستوى المعاشي لمعظم المواطنين وزيادة الفجوة بين الأجور والأسعار، وجني القلة من أفراد المجتمع لآثار هذا التدهور عن طريق زيادة ثرواتهم والسيطرة على جهاز الدولة المتحولة لحماية مصالح هذه القلة من البورجوازيين والإقطاعيين الجدد.
ومن الطبيعي أن تسمح هذه الحالة الاجتماعية باستمالة بعض ضعاف النفوس ليصبحوا أداة طيعة في أيدي أعداء الوطن، مما سيؤثر سلباً على الأمن الوطني. إن ما ذكرته أعلاه يمكن استنتاجه بسهولة من تحليل نتائج استطلاع جريدة الثورة الأخير حول الفساد والتي تستحق كثيراً من الاهتمام، فالقضاء وأجهزة الأمن والبلديات حصلت على المراتب الثلاث الأولى لانتشار الفساد في أجهزة الدولة وفق رأي أغلبية المشاركين في هذا الاستطلاع، وبالتالي رأي المجتمع.
الشبه بين اليوم والأمس..
ما أشبه انحلال اليوم بالأمس، فقبل خمسة عشر قرناً سقطت مكارم الأخلاق في جزيرة العرب وحاضرتها، مكة إذ ظهر الفساد في البر والبحر، وتردت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وأصبحت العدالة الاجتماعية ونصرة المظلوم ضرورة واقعية، لأن أفضل المصطلحات وأقوى الدساتير والقوانين ليس لها تأثير إلا بمدى ارتباطها بالواقع، وقد ورد في حديث قدسي «ياعبادي إني حرّمتُ الظلمَ على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا».
السوق الاجتماعي والرد المقابل..
إن اقتصاد السوق الاجتماعي بتطبيقاته الخاطئة، يستدعي بحكم التجربة التاريخية تحالف القوى النزيهة والمناهضة للاستغلال الاجتماعي لتمنع حدوث الكارثة، بشرط أن تحسن هذه القوى النزيهة تنظيم قواها وتوجيهها في صالح أغلبية المواطنين، ومن أجل تحقيق ذلك لابد من منهج عمل وخارطة طريق ضمن إطار الدولة والدستور والقانون، فكيف سيكون ذلك....؟!
الشراكة في الوطن هي الحل..
إن الدولة كمفهوم هي منظومة ديناميكية متفاعلة مع البيئة الداخلية والخارجية، وهذه المنظومة تتألف من وحدات وظيفية تعمل تحت قيادة تحكم وسيطرة لضمان التوافق بين هذه الوحدات والوصول إلى أحسن أداء ممكن، فالشراكة بين المواطنين في إدارة هذه الوحدات هي الحل لضمان تحقيق مصالح الأغلبية وليس الأقلية.
إن الوصول للحرية هو غاية بحد ذاته، وبحاجة لوسائل وآليات دعم وتنفيذ داخلية وخارجية تخضع لسيطرة الدولة العادلة وهو مسعى «حلف الفضول» الذي أسعى إليه.
فالنضال من أجل العدالة الاجتماعية هو نضال مشروع ويتطلب مؤسسات نزيهة تتولى إدارة هذا النضال.
موقف الدستور السوري..
إن الحرية حق مقدس وحرية الوطن لا يصونها إلا المواطنون الأحرار، هؤلاء هم من سيحمي «حلف الفضول» لأن الأحرار هم القادرون على البناء وصون الحرية «إن سيادة القانون مبدأ أساسي في المجتمع والدولة». إن عقدنا الاجتماعي قد أقر بأولوية تطبيق القانون في المجتمع قبل الدولة، وهذا إقرار ضمني بحق المواطنين في الوصول إلى العدالة بإدارتهم المجتمعية في حال فسد قضاء الدولة.
فالدستور دليل واضح لتنظيم مسيرة المجتمع وضابط لحركة الدولة بمؤسساتها المختلفة ومصدر كل التشريعات.
هذا الدستور أعطى الحق لكل مواطن في الإسهام بالحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحرية الرأي بالقول والكتابة إضافة للرقابة والنقد البنّاء لدعم النظام الاشتراكي (وليس اقتصاد السوق).
وأعتقد أن من يقرأ الدستور السوري سيصل لنتيجة مفادها أن حرمان المجتمع من تشكيل الجمعيات والأحزاب التي تساهم في المراقبة والمحاسبة هو أمر مرفوض ويجب التصدي له من المواطنين جميعاً لحماية هذا الدستور.
فكرة التسامح
إن التسامح مسألة جوهرية في الحياة السياسية والاجتماعية وليس تنظيراً حقوقياً أو ترفاً فكرياً، بل هو ضرورة اجتماعية ملحة كفرض عين لمواجهة التفرد والتسلط والاستئثار بالقرار وإلغاء الآخر وإقصائه وخاصة عن طريق الآراء المسبقة والنصوص اليقينية البعيدة عن الاجتهاد والتنوع.
إن فكرة التسامح هي النواة في «حلف الفضول» لأنها تعني القدرة على تحمل الرأي الآخر والصبر على أشياء لا يحبها الإنسان ولا يرغب فيها، ويمثل التعايش عن طريق ممارسة حق التعبير والمشاركة السياسية.
وإن النقيض لفكرة التسامح هو التعصب والعنف ومحاولة فرض الرأي ولو بالقوة. ومن الجدير ذكره أن منظمة (اليونسكو) حثت على الاحتفال بيوم دولي للتسامح كل عام، وذلك في 16 /11 ذكرى الحركة التصحيحية المجيدة ودعت لاعتماد أساليب منهجية تكشف الجذور الرئيسية للعنف والاستبداد.
التاريخ والتسامح..
إن العودة للتاريخ تبين لنا أن علاقة الرسول العربي بأصحابه وسماع آرائهم كانت تؤدي إلى الرأي الأخير بعد حرية المناقشة، وفي وصية الإمام علي لولده الحسن جاء فيها:«لاتظلم كما لاتحب أن تظلم، وأحسن كما تحب أن يحسن إليك، ولِن لمن غالظك فإنه يوشك أن يلين لك»، وأما في العصر الحديث فقد عزى الكواكبي جوهر الحكومة المستبدة إلى غياب الرقابة والمحاسبة، ورأى أن أسباب انحطاط الأمة هو الحرمان من حرية القول والجهل وفساد التعليم.
أما فرح أنطوان فهو أول من ذكر لفظ التساهل (دلالة على التسامح) وذلك عام 1902 في خطابه التنويري المعاصر.
أسس التسامح
إن التسامح يجب أن يبنى في عقول الناشئة عن طريق زرع الأسس التالية:
عدم إدعاء امتلاك الحقيقة كاملة.
عدم العصمة من الخطأ.
القبول بالتعددية والتنوع والاختلاف بين البشر.
ضمان العدل وعدم التمييز في التشريع وفي تطبيق القانون.
جعل التعليم الأداة المثلى لنشر التسامح ونبذ العنف.
وإن ثقافة اللاتسامح هي نتيجة طبيعية لوجود مظالم وغياب العدالة بما يخلقه من علاقة متوترة بين الظالم والمقهور.
فالتسامح مرتبط بقضية الحقوق الأساسية للمواطن، وحتى لا أتُهم بالمثالية والطوباوية، فإنني لن أقول إن التسامح هو الذي سيسود في المجتمع لأن هذا تنظير أفلاطوني، بل أدعو لأن نجعل التسامح قيمة عليا يسعى الشرفاء للوصول إليها، خاصة في مجال القانون والسياسة ضمن إطار دولة العدالة الاجتماعية التي تضمن الحريات، فلقد أثبت التاريخ على مدى قرون أن الخارجين عن القانون هم الأقوياء وليس الضعفاء بالرغم من أن صاحب الحق لا علاقة له بالقوة أو الضعف.
إن ما نشهده الآن في العراق هو دليل على أهمية التسامح كركن أساسي في «حلف الفضول» لمجابهة الطائفية البغيضة في ظل شبه غياب للدولة العراقية حيث ينتشر العنف وإقصاء الآخر بدعم من قوات الاحتلال لمجرد الاختلاف.
مضمون الدعوة لـ«حلف الفضول»..
إن دعوتي للشرفاء في هذا الوطن لتأسيس حلف عصري للفضول هو دعوى للمواطنة والتشاركية، بعد أن حدثت قطيعة مع الثوابت السياسية التي اتبعها الخلفاء الراشدون، وتحولت السلطة من سلطة تشاورية تلعب فيها الأغلبية الدور الحاسم إلى سلطة وراثية قائمة على أساس الملك العضوض، مما أدى لانتصار مبدأ القوة على قوة المبدأ.
إن الحلف هو صراع الضمير والقيم ضد الربح والمكسب، صراع الخير الأزلي مع الشر الأبدي.
باختصار إنه دعوى للعيش حسب مقياس القيم وليس القيمة، وهو نقلة حضارية لنصرة المظلوم بغض النظر عن دينه ومذهبه وعشيرته وانتمائه السياسي وجنسه، إنه ميثاق شرف ومقاومة للظلم والطغيان.
واجبنا الآن:
إن كل مواطن مدعو للمساهمة بنقل الدولة إلى دولة المؤسسات مع ما يستلزم ذلك من بيئة صالحة قانونية وسياسية واجتماعية واقتصادية، وهكذا.. من دمشق عاصمة الأمويين أدعو ذوي الهمة للمشاركة في تأسيس هذا الحلف في يوم 16/11/2008 لما يحمله هذا اليوم من معاني خالدة.
وجميع الحكماء في هذا الوطن مدعوون للمساهمة فيه من رجال قانون وضباط وتجار وعمال وفلاحين وصحفيين. ولتكن البداية من هنا من دمشق، ومن ثم فلتنتشر.. فإن لم نفعلها اليوم فلن يغفر التاريخ لنا.... فهل من مستجيب!؟
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.