إيقاع الجاز.. وإيقاع الحياة في دير الزور..

غذاء المواطن المادي، الذي بات شراعاً تمزقه أنواء الليبراليين الجدد، والتي تهب عليه من كل حدب وصوب، وغذاؤه الروحي والثقافي الذي أصبحت «تشخلعه» أغاني نانسي عجرم وهيفاء وهبي، وغيرهما عملاً بالمقولة الزائفة «الجمهور عاوز كده»، على طريقة أشقائنا المصريين الذين سبقونا بالمعاناة من الليبرالية، أو تكتم أنفاسه بعض القوى الظلامية  بالتحريم.

بين الغذاء المادي والغذاء الروحي ، بين إيقاع الحياة الصاخب والمتسارع وبين إيقاع الجاز، تاه المواطن المسكين،  فالاثنان لا يمكن الاستغناء عنهما، وان حصل على شيء منهما فيكون ذلك مناسبة  يخفف فيها شيئا من الضغوط الكبيرة التي تعتصره يومياً .

مهرجان الجاز في سورية 2008  الجاز (بالجيم) يختلف عن (الكاز) شقيق المازوت الذي رفعت سعره الحكومة، فأصبح الشعب وكل شيء في الوطن يرقص على ( الوحدة ونص )، وبات المواطن يدردر دردرة لا حدود لها، فصار دون أن يشعر، أي قول أو فعل يحوله على (المازوت).

في ظل هذه المعاناة جاءت فرقة جاز عالمية إلى دير الزور، و ما لم يتوقعه كثيرون وتفاجأ به أعضاء الفرقة أنفسهم، الحضور الكثيف، والتفاعل الذي أبداه الجمهور ما أكد سقوط مقولة «الجمهورعايز كده» فما قدمته الفرقة  يختلف كثيرا عما يقدم في مهرجانات (الخلع) هذا لم يحدث  مصادفة كما يعتقد البعض، وإنما نتيجة إرث إنساني لا يزال يفعل فعله، ويظهر جلياً عندما تتاح له الفرصة المناسبة كما يعتقد البعض.

     فرقة الجاز مؤلفة من عازف الغيتار والمغني التركي (الب بورا) وعازف الإيقاع الفنلندي (دانييل كليمر) وعازف  الغيتار السوري (منصف تركماني) وعازف الكمان البولندي (باول دانكل) وعازف الساكسفون (جيرارد سيليك) وعازف الترومبيت والفلوت (يوهان أوتل) السويسريين..

قدمت الفرقة مجموعة من الأغاني والمعزوفات، والإيقاعات عبر الجمهور عن تفاعله معها جذلاً وبالتصفيق الحاد بعد انتهاء كل فقرة. 

أغنية البداية كانت أغنية أرمنية من مقام (الحجاز) الشجي، شدت الجمهور.. وفي سؤال وجهته  قاسيون للمغني الب بورا: شي جميل أن يقدم تركيا أغنية أرمنية بعد ما جرى في أوائل القرن الماضي، فاكتفى بالقول: «لقد تغير الزمن». لكننا نقول: نتمنى أن تمحى صورة الماضي و ذكرياته الأليمة وأن تكون الوحدة الوطنية، وأن يكون التعايش بين الشعوب على مبدأ المساواة، في الحقوق والواجبات وليس كما تريده وتعمل لأجله الامبريالية تناحراً قومياً، طائفياً، عرقياً وعشائرياً.

لفتت الانتباه الفقرة التي قدمها عازف الإيقاع الفنلندي عندما قدم مقطوعة إيقاعية قرعاً بالملاعق بمهارة عالية وإيقاعات راقصة متنوعة، لاقت استحسان الجمهور لمهارة العازف ودقة الإيقاع، وربما أيضاً لأن الملاعق تذكرهم بـالغذاء الذي تناقصت قيمته الغذائية من السعرات الحرارية بسبب الغلاء، وإيقاع قوى السوق الذي يصم الآذان.

الحفل تم برعاية الأمانة السورية للتنمية (ثقافة وتراث) وبالتعاون مع وزارتي الثقافة والسياحة ومحافظة دير الزور والسفارة السويسرية بدمشق.

بقي أن نقول: من حق هذا الجمهور الرائع أن يحترم وألا يتكرر التأخير في البداية كالعادة، وغالباً يتم ذلك من المسؤولين، رغم تواجدهم في إدارة المركز الثقافي ، فلا يهمهم إن تأخروا ثلث ساعة أو أكثر حتى يشربوا الشاي ، والذين أيضا لم يصبروا فما أن انتهت الفرقة عزفها وقبل أن تحيي الجمهور حتى غادروا مسرعين دون شكر للفرقة ودون التفاتة، للجمهور وكأن حضورهم كان رفعاً للعتب فقط.

ونختم بالشيء الجميل وهو تنوع الجمهور، ذكوراً و إناثاً، ومن مختلف الأعمار والمستويات، بل أن بعض العائلات حضرت بكاملها وكذلك الانسجام العالي، والتفاعل مع الموسيقى و الغناء دون مقاطعة، وهذا ينم عن تذوق ووعي للموسيقى ودورها.

ونطلب من فرقة الفرات الموسيقية أن تسهم بإحياء تراثنا الغنائي والموسيقي، بأن تقدم حفلاً شهرياً بدل أن يكون ذلك بالمناسبات فقط، وخاصة أن الفرقة لديها الإمكانات والجاهزية كونها تتدرب باستمرار.

شكراً للأمانة السورية للتنمية بدير الزور على اللفتة..

وشكراً لإدارة المركز الثقافي ومديرية الثقافة لتعاونهما ونجاحهما في التنظيم.

آخر تعديل على الأربعاء, 30 تشرين2/نوفمبر 2016 01:02