«قافية لخلاخيل بلقيس» وتطوير شعر التفعيلة
ديوان «قافية لخلاخيل بلقيس» ديوان غنائي من الدرجة الأولى، فالغنائية سمته الأساسية وهي غنائية جميلة إيجابية، وليست غنائية بسيطة تعتني بالكلمة، ورقتها، وليونتها، إنما هي تطير لتشكل أنغاماً في مدارات اللغة والبيت الشعري وهذا شيء جميل.
والكتاب مملوء بالصفات، وأكثر هذه الصفات لا لزوم لها البتة، ولو عاد الشاعر إلى قصائده، وحذف الصفات منها لرأى أنها لا تؤثر على القصائد أبداً بل إذا حذفت لتمتنت الجملة الشعرية، وكثفت، وأوحت أكثر. فالصفة لا ضرورة لها بل هي قضية تفسيرية، والشعر لا يحتاج إلى تفسير بل يحتاج إلى الإيحاء والتلميح، وسأضرب بعض الأمثلة على عدم لزومية الصفة للكلمة التي تسبقها بل هي موضحة تماماً. وفي الديوان خمس وعشرون ومئة صفة.
وقد تكون الصفة جاءت لأن القافية جرّت إلى ذلك، وذلك من عيوب شعر التفعيلة إجمالاً. حتى إن شعر محمود درويش لا يخلو من هذا العيب.
وسأقدم بعض الصفات التي لا لزوم لها ابتداءً من القصيدة الأولى وهي قصيدة (تشابه):
في الصفحة (5): يقول الشاعر:«فكيف استعنت على هسهسات اشتياقي/ بصمت كثيف»،
فكلمة كثيف صفة للصمت. صفة تفسر الصمت. فيا ترى لماذا يفسر لنا الصمت. برأيي وبرأي الشعر كما أعتقد أنه لو حذف الشاعر كلمة (كثيف) لكان أفضل له وأمتن للشعر.
وفي الصفحة الخامسة ذاتها يقول الشاعر:«تحبس عمري الطويل»، فكلمة الطويل هي صفة لعمري. لماذا يوضح لنا الشاعر زمن هذا العمر إن كان طويلاً أو وسطاً أو قصيراً؟
لماذا لا يترك للقارئ تخمين هذا الزمن؟ إلى آخره ولو حذف كلمة طويل لكان أفضل للشعر.
وفي قصيدة (حنين) نقرأ:«ونقرأ السلام على امرأة جامحة/ويخسر قبلة شعر/لراحلة جارحة»، فكلمتا جامحة وجارحة هما صفتان لا لزوم لهما فهما ليستا سوى كلمتين مفسرتين موضحتين. جرت الكلمة الثانية منها القافية. وينطبق على كل الصفات تقريباً التي في الديوان.
وفي الكتاب صور شعرية لا بأس بها، والكثرة الغالبة من القصائد فيها صور شعرية ولو أنها ليست عميقة جداً والقصائد التي فيها صور عميقة هي اثنتان، وهناك قصائد صورها من السطح. ونستطيع إيراد بعض الصور الجميلة فمن قصيدة (نياشين إضافية على صدر الواو) ص39 نقرأ:«وأشهد أنها واوٌ/ وسيدة/ لها نهدان من ماءٍ ومن توتٍ»، وهناك صور أخرى ولكن مثلما قلنا فالكثرة من الصور صور متوسطة وليست عميقة.
أما الجمل في الديوان فالغالب فيها هي الجمل المتوسطة الطول، وهي الجمل التي لا تتعب الشاعر، ولا تدعه يكرر المعاني، والكلمات بعكس الجمل الشعرية الطويلة التي يغلب عليها التكرار، والجمل المتوسطة أتت لمصلحة الشعر والشاعر.
أسلوب القصائد في ديوان (قافية لخلاخيل بلقيس) أسلوب مباشر إن كان في أساليب شعر التفعيلة التي منها قيد القافية. وأدوات الوصل، أو بالصور السطحية، ووصول المعنى إلى القارئ فوراً دون تعب ولا جهد. أو اعتماد المواضيع السهلة اليومية دون الغوص في الوجود والمصير الإنساني ومحاولة الإجابة عن أسئلة الوجود لماذا؟ وإلى متى؟ وكيف؟ وغير ذلك.
ولكن مباشرته ليست كمباشرة محمد الفيتوري في كل دواوينه الإفريقية أو كدواوين غيره الخطابية بل إن مباشرته تخلو من الخطاب، والوعظ، والنصيحة، وفيها بعض الصور العميقة التي تنأى عن المباشرة.
(قافية لخلاخيل بلقيس) تجربة في مسيرة أنور عمران الشعرية التي تتطور نحو الحداثة الشعرية بسرعة لهذا نحن نشد على يديه، ونطالبه بإتحافنا بشعره الجديد مطبوعاً، وهو لا بد شعر متطور عن (قافية لخلاخيل بلقيس).