علي بدر: يجب تحطيم جدار الصوت داخل العمل الفني
منذ أن أصدر روايته الأولى «بابا سارتر»، مع أنها صدرت بعد سنوات من كتابتها، لفت علي بدر أنظار القرّاء والنقّاد. وكذلك الحال مع رواياته الأخرى التي كتبها في العراق ولم تجد طريقها الى النشر. تعتمد روايته على البحث في المادة السردية الخام، وملاحقة تفاصيلها، وجمع خرائطها كلّها، هذا ما فعله في «مصابيح أورشليم» و«حارس التبغ».. حول ظروف تجربته الخاصة، ومشاغله الإبداعية كان هذا الحوار..
• هلاّ حدثتنا عن إصدار رواياتك دفعة واحدة بعد تركك العراق؟
أغلب رواياتي كتبتها في العراق، ولكن لم يكن بالإمكان نشرها وأنا موجود هناك، ومازالت لدي روايات كتبتها داخل العراق سأنشرها لاحقاً.. والسبب الرئيسي هو القمع الحقيقي، القمع السياسي والثقافي ، لقد كان من المتعذر، كلياً، نشر أية رواية، وبالتالي، فما بالُكِ بروايات كرواياتي ترتبط بالوضع السياسي والاجتماعي والثقافي ارتباطاً مشيمياً؟
• كيف تنظر، كونك من جيل الروائيين الجدد، إلى منجز الرواية العراقية بروادها أمثال غائب طعمة فرمان وفؤاد التكرلي؟
هذان الاسمان، حقيقة، يشكلان علامة فارقة داخل الرواية العراقية.. وعلى العموم الرواية العراقية أفضل من مثيلاتها، وخصوصاً من جيلنا إلى جيل السبعينيات والثمانينيات، فهؤلاء كانوا قد أنتجوا رواية ذات طابع محلي، يمكن قراءتها، واستعادة شخوصها وحيواتها، وهم حقيقة يشكلون دفعاً، على خلاف ما يحدث مع أصدقائي الروائيين، في سورية وفي مصر، الذين يقولون دائماً إنهم على قطيعة مع الجيل السابق!! نحن لدينا قطيعة، ولكن ليس مع كل الأجيال، وإنما فقط مع جيل معين هو الجيل الذي نشر في فترة التسعينات، الذي نعتقد أن لغته لم تطابق الواقع، أما غائب طعمة فرمان وفؤاد التكرلي، فأثّرا علينا بالفعل، ليس بتقليدنا لأعمالهما، وإنما بالاحترام الكبير من جيلنا.
• كتبت رواية عن إدوارد سعيد«مصابيح أورشليم»، لماذا اخترت سعيد وهو شخص واقعي بطلاً لعمل خيالي؟
كل أبطالي هم واقعيون، فإما يكون البطل أنا، أو شخص له وجود حقيقي فيزيقي، وبرأيي يجب تحطيم ما يطلق عليه جدار الصوت داخل العمل الفني، فمن قبل كانوا يعتقدون أن العمل الفني كله من شخوص خيالية ووهمية، أما البطل اليوم، باعتقادي، فهو أكثر تأثيراًبما لا يقاس، وتأثيره بحضوره وباسمه... وهذا يحطم الفرق الفاصل بين الوهم والواقع .
• من الشخصية التي ستكون بطلا لروايتك القادمة؟
رفاعة الطهطاوي ولقد بدأت بالكتابة عليها، وأيضاً جبران خليل جبران، سأنهي رواية مهمة عنه وعن حياته وذهابه إلى أميركا وعلاقاته، فما أثارني في جبران قضية الروحانية الكبيرة ومحاولة مزجه بين الأديان في عمل واحد، وتحرره من سلطة التابو الديني في الوقت نفسه ، والقضية الثانية والمهمة جداً في رأيي هي محاولة جبران اختراع حياة ليست حياته .
• ما الذي يجعلك تشتغل على عوالم المثقفين في رواياتك؟
كل شخص يكتب عن محيطه، ومحيطي أنا كله ثقافي، وعملياً أعرف هذا المحيط تماماً، وأعرف داخله وحياته ووجوده، والمثقف يشكل مرتكزاً لخطوط المجتمع، فضلاً عن كونه (المثقف) ذا وعي لوجوده، كذلك ينتمي لطبقة اجتماعية معينة، كما أن لديه ثورة وتمرداً على واقعه الاجتماعي.
• ألا تملك الجرأة في الكتابة عن عوالم بعيدة عن محيطك؟
أنا كتبت في رواياتي عن أشخاص عاديين، ولكن لم يكونوا أبطالاً، بل هم من يحيطون بالبطل، ففي «بابا سارتر» كتبت عن العاهرات، وعن المجتمع السفلي، وعن الخياطين والعربجية، ولكنهم كانوا مجرد ديكور بالنسبة للمثقفين.
• جربت كتابة الرحلة في عملك «خرائط منتصف الليل»، كيف تنظر إلى هذا النوع من الكتابة؟
الرحلات مهمة جداً بالنسبة لي، والتحول من المكان قضية أساسية، والكثير من التجارب الروائية السابقة كانت مظلمة بسبب تواجد الروائي في مكان واحد، فالتجربة لديه غير مكتملة، لأنها تعيش في غرفة، وكل حدود تجربته هي الكتب المحيطة به، والمقهى، والسوق.. وفّر السفر لي عوالم جديدة من تجديد في الخيال واللغة، وأبطال في حركة دائماًُ ولا يستقرون، ومن وجهة نظري الواقع الاجتماعي يجب أن يكون دائم الحركة .
• إلى أي مدى أثرت الحرب على نصّك؟
كتبتُ عن الحرب في روايتي الأخيرة «حارس التبغ»، ليس فقط كلهجة، بل عن تفاصيل الحرب الأهلية والطائفية والوجود الإنساني، وكتبت عن موسيقار عراقي قتل عام 2006 بعد أن اختطف وكشف عن هويته، التي غيرها عدة مرات، ليستطيع الإقامة أخيراً في العراق، والمغزى أننا نستطيع امتلاك هويات مختلفة، وشخصيات متعددة، وبالتالي لا داعي للاقتتال من أجل الهوية الضيقة.