محمّد العباس: مهمة الناقد أن يقدم نصّاً أيضاً
تتميّز الكتابات والبحوث والدراسات التي يقدمها الناقد السعودي محمد العباس بلبوسها شكل ثوب النص، والاستحمام بهواء الإبداع، معيداً الاعتبار إلى النصّ النقدي، ليصبح نصاً كامل الحساسية. أصدر العباس العديد من الكتب النقدية منها: (قصيدتنا النثرية)، (سادنات القمر)، (شعرية الحدث النثري).. هنا حوار معه..
ما رأيك بنتاجات الفتيات السعوديات التي لاقت رواجاً كبيراً في الآونة الأخيرة، في حين أن رجاء عالم، رغم أهميتها الكبيرة لم تأخذ حقها؟
أعتقد بأن ظاهرة الكتابة بأقلام نسائية هي كتابة تتعلق فيما نسميه انفجار الصمت النسوي، وباعتقادي أن المرأة السعودية قد اكتسبت صوتها واستطاعت أن تنتج من الروايات ومن الإنتاج الإبداعي عموماً، سواء على مستوى الشعر، أوالأنماط السردية الأخرى، ما يعادل إنتاج الرجل، ولهذه النتاجات دلالة تتعلق في رغبة تحررية، ورغبة موازية في الحضور مقابل الرجل، وإثبات حالة من حالات تحطيم البطريركية، أو بمعنى إنتاج نص أو خطاب يوازي ما ينتجه الرجل. بالتأكيد يؤخذ على الرواية المكتوبة بأقلام نسائية ضعف المستوى أو انحيازها بشكل عام من ناحية الكتابة العاطفية الفارطة، أو الكتابة الحسية، لدرجة أن البعض لقبها بروايات السرير، وهو أمر متوفر وواضح وصريح، ولكن بعض هذه الكتابات جديرة بأن تنتمي إلى مستويات، أو ما يمكن أن نسميه تعاليات الرواية، كمنتج أدبي وكنص إبداعي. أما الكثير منها فهو مجرد خواطر لا تمت للرواية بصلة. بالنسبة لرجاء عالم هي منجز قائم بذاته، وهي تنتمي عربياً إلى نسق يشبه النسق الذي يكتب به سليم بركات وإدوارد الخراط ما عدا روايتها الأخيرة «ستر» وهي رواية إلى حد ما تقترب من السرديات العادية البعيدة عن الفنتازيات التي أدمنت عليها، ولم تأخذ حقها في القراءات، وأتذكر مقالة لصدوق نور الدين، وهو ناقد مغربي، عنونها (من يجرؤ على قراءة رجاء عالم) نظراً إلى تعقد خطابها الروائي فأسلوبها مختلف نوعاً ما وبحاجة إلى قراءة على أكثر من مستوى.
هل يمكن كتابة أدب حداثي حقيقي في مجتمع مغلق مثل السعودية؟
بالتأكيد يمكن أن نكتب صيغاً أو تمثلات، ولكن لا يمكن أن نكتب الحداثة، إن صح التعبير، في مجتمع مغلق ومحافظ. الرواية، والإبداع بالعموم، صوت الفرد والفرد يستطيع أن يعبر عن حداثته الفردية، وكل ما يهجس به، وما يستهيم به، وبالتالي يستطيع أن يقدم مقترحاً أكثر مما يقدم رؤية ناجزة، وما نراه في المشهد السعودي هو تمثلات تماماً مثلما كان يحدث في الثمانينات، حيث كانت هناك معركة كبيرة تحت عنوان الحداثة، ولكن هل كانت هناك حداثة حقاً؟.. شخصياً لا أعتقد.. كل ما هنالك كانت هناك لافتة كبيرة ظن البعض أنه ينتمي إليها كنسق عالمي عابر للثقافات والحضارات، والأنساق حتى، ولكن الكثير من هذا الجدال لم يكن سوى موضوع أكثر مما هو حالة قائمة، وموضوعة، في قلب المشهد الحياتي.
تهتم بلغتك النقدية كثيراً.. ألا تؤثر هذه اللغة على التواصل؟
ربما!! ولكن أعتقد بأن جزءاً من مهمة الناقد أن يقدم نصّاً أيضاً، وليس من مهمته اللحاق بالنص الأول، بمعنى أن ينتج نصاً شعرياً، أو نصاً إبداعياً يستطيع من خلاله التلاقي مع النص الإبداعي، والتواصل معه بكل أليافه التصويرية، بحيث يحتوي على جانب من اللذة في الشكل والمضمون.
ما نوع العلاقة النقدية التي تربطك بـعبد الله الغذامي؟
علاقة عادية جداً.. قرأت مجمل أعماله وكتبت عنها، وأعتقد أنه، بالنسبة للمشهد الثقافي في السعودية، مضخة معرفية مهمة، وهو من القامات. ولكن ما يؤخذ على الغذامي أنه غير حواري، فلا يجادل أحداً، ويتصرف داخل المشهد وكأنه الأب الأوحد للحداثة، والمصدر الأول للمعرفة، وبالتالي لا تستطيع أن تتقاطع معه بأي شكل من الأشكال وهنالك أدلة نصية.
(سادنات القمر) كتاب عن الشعر النسائي تحاول فيه تقديم قراءة منصفة .. ما رأيك بمداخلة الناقد سعيد بنكراد الذي رأى في الكتابات النسائية كتابات مسترجلة؟
لا أعتقد بأن بنكراد كان يقصد أن الكتابات النسائية بمجملها مسترجلة، هو التقط مجموعة من النماذج الروائية، وهي نماذج تفصح بالفعل عن، لا نقول استرجالاً، بل محاولة لتمثيل لغة الرجل والتحدث بطريقته نفسها، وبالنسبة لسادنات القمر هو كتاب حاولت فيه أن أقرأ التشكيلات العباراتية للشاعرة المرأة منذ بداية التاريخ حتى اليوم، لنصل إلى نتيجة تتوحد فيها مجمل هذه النبرات، بمعنى قراءة كل السلالة النسوية الأنثوية منذ بداية التاريخ والتي أعتقد أنها تتوارث بالنظر إلى أسباب سيكولوجية وسيسولوجية وحضارية وجينية حتى.. لذلك نجد أن الشاعرة اليوم هي بشكل ما تنتمي إلى السلالة وتعبر بشكل قد يكون أحدث.