نموذج «محلي» عن الإساءة للبرامج الحوارية
.. في زمن الصراع الإعلامي وطموحات البقاء والوجود، تتبارى معظم وسائل الإعلام إلى المضي قدماً لترسيخ إيديولوجيتها في أذهان الجماهير. وقد أكد التلفاز حضوره بقوة في هذا النزاع الدامي من خلال قنواته الأرضية والفضائية، إذ تحاول كل قناة جاهدة إلى إسدال ستارة من البرامج النوعية والمميزة على شاشتها علّها تحظى في نهاية المطاف برضى وقبول المشاهدين.
وفي زحمة التنافس اللانهائي بين هذه المحطات كان للقنوات السورية (الأرضية والفضائية) كلامٌ أيضاً في حلبة المنافسة. إذ تحاول أن تظهر في كل سنة بحلة جديدة عسى أن تكون أفضل من السابقة.
وقد أثبتت القناة الأرضية الثانية (قناة الأسرة والمجتمع) وجودها خلال الأعوام الماضية وذلك من خلال التنوع الجوهري والخلاق في برامجها الثقافية والاجتماعية والفنية..الخ.
وعلى الرغم من التنوع الملحوظ في المحتوى، إلا أنّ معظم برامجها الحوارية لم ترقَ إلى المستوى المطلوب، آخذاً بعين الاعتبار المواضيع الجادة التي تناقش في هذه الحوارات وحضور ضيوف من ذوي اختصاص ومعرفة. إلا أن هذه الحوارات لا تصل مبتغاها بل تكون السبب في أغلب الأحيان في إفشال البرنامج وبالتالي إغراقه في مستنقعات تكثر عليه الانتقادات والمواعظ.
يقول مثل «آري» قديم، بما معناه بالترجمة العربية «حراثة الأرض عوجاء وغير مستقيمة، وذلك بسبب الثور الأعمى الذي يجر المحراث خلفه».
هذه حال معظم الحوارات التي تدور في البرامج الحوارية والتي تبثها القنوات السورية، ففي أحد البرامج الحوارية الأسبوعية التي تبثها القناة الأرضية الثانية مساءً، والذي يتناول موضوعاً مختلفاً عن الآخر في كل حلقة، بمشاركة ضيوف من ذوي اختصاص وخبرة وثقافة، نجد أن البطلة المطلقة لكل الحلقات هي المذيعة المحاورة، والتي تسعى دائماً إلى إبراز نفسها أمام الضيوف والمشاهدين بالدرجة الأولى على أنها بمستوى الموضوع المطروح والمناقش، وأنها لا تقل شأناً عن المختصين علماً ومعرفة، معتمدةً في ذلك على حركاتها الغريبة التي تقوم بأدائها بحرفية مستنبطة من الغير، فتحريك اليدين المتواصل والمستمر، ورمشات العيون المتتالية، والهز بالرأس دون توقيت ولا ضابط، كلها لا تخدم الحوار بشيء، ويبدو أن تأثر محاورة البرنامج بحركات وبهلوانيات بعض مذيعي الجزيرة واضح تماماًً، وتحديداً محاورة برنامج «الاتجاه المعاكس». وقد يوافقني القارئ رأيي المتواضع إذا حاول أن يتابع ولو حلقة واحدة من هذا البرنامج، وسوف يتيقن بأنه من الأجدر على المذيعة أن تقدم برنامجاً للصم باعتبارها تتقن لغة الجسد أكثر من لغة النطق، فلربما حصدت ولو قليلاً من النجاح والشهرة! والأكثر دهشة واستغراباً في حواراتها هو قطعها المتقصد وغير المبرر للحوار بين الحين والآخر، ناهيك عن تشتيت سلسلة أفكار الضيف وعدم السماح له بإتمام الفكرة والمعلومة التي يدلي بها، وذلك بحجة ضيق الوقت المخصص للبرنامج، وإذا ما اقترب البرنامج من النهاية تراها تواصل هوايتها في التقليد وعلى طريقة «فيصل القاسم» تقول للضيف «بنصف دقيقة، كلمة أخيرة»..!!
رحمك الله يا حاتم الطائي، أين أنت لترى هذا السخاء الذي يكرم به الضيوف «نصف دقيقة» وما أدراك ما النصف دقيقة، فسرعة الطلقة هي «150م/ثا» وإذا ما قسمنا النصف دقيقة على الثانية الواحدة يكون الحاصل «30 ثانية»، أي أن الطلقة سوف تقطع مسافة «4500متر» في الوقت المخصص للضيف ليعبر عن رأيه!
وهذه هي الحال نفسها والمشكلة نفسها في أغلب البرامج الحوارية والتي يأمل المشاهد تحصيل بعض الفائدة منها، لكن للأسف ينتهي وقت البرنامج والمشاهد في المحصلة يخرج فارغ الذهن. فربما يكون وراء هذه البرامج أيضاً محاورون كمحاورة هذا البرنامج، ولكن هذا هو الواقع الشائك الذي نعيشه ونتابعه على شاشة تلفازنا الغالي، وصدق نابليون في قوله: «وراء كل رجل عظيم امرأة» وبتغيير طفيف ظاهري لمقولته الخالدة، يكون: «وراء كل حوار ناجح محاور مقتدر..».
■ ألفريد موسى