جردة حساب لعاصمة الثقافة العربية: أتراه يستمرّ الحراك؟
اختيار دمشق عاصمة للثقافة العربية جعلها تشهد نشاطاً ثقافياً مكثفاً، وإذ أن دمشق شهدت هذا الحدث فهي أكدت على جدارتها وأحقيتها بتنظيم هكذا حدث، فقدمت الاحتفالية برامج ونشاطات ثقافية لبت أفكار معظم شرائح المجتمع السوري وجميع أطيافه.
في المسرح الذي حاز على اهتمام خاص من الأمانة كان للجمهور لقاء مع الفنان العالمي بيتر بروك الذي يعد من أكثر الفنانين تأثيراً في العالم منذ منتصف العشرينات من خلال تقديمه لعرضين متتاليين «المفتش الكبير» و«فاروم فاروم»، وقدم اللبناني روجيه عساف «بوابة فاطمة»، ولن نستطيع أن ننسى المسرحي التونسي فاضل الجعايبي الذي قدم «خمسون» العرض الذي أحدث جدلاً كبيراً في تونس والوطن العربي. كذلك الحال مع «المهاجران» لسامر عمران، وهو العرض الذي أحدث نقلةً نوعية في المسرح السوري بشهادة معظم من حضر العرض، والنص المأخوذ من الكاتب البولوني سلافومير مروجيك قام سامر عمران بنقله إلى العامية واستطاع من خلاله أن يقدم أفضل عرض سوري أنتجته الأمانة العامة، وقد استمر عرضه لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر، وكذلك كان عرض «كونتراكت» للكوريوغراف السورية مي سعيفان الذي شهد إقبالاً كبيراً لجرأته في طرح الواقع المتردي الذي تعيشه المرأة في مجتمعنا، بالإضافة إلى «كذا انقلاب» لبسام كوسا، و«عربة تدعى الرغبة» لغسان مسعود، تضاف أيضاً عروض المنح الإنتاجية التي قدمتها الأمانة للفرق المسرحية الشابة في إطار دعمها للمواهب الشابة، وإصدار سلسلة ذاكرة المسرح السوري بالتعاون مع دار ممدوح عدوان.
في البداية كان الحدث الكبير قدوم صاحبة الصوت المخملي السيدة فيروز لتقدم على خشبة دار الأوبرا مسرحية «صح النوم»، بعد غياب طويل، إلا أن الحدث الموسيقيّ الأبرز هذا العام، كان من نصيب زياد الرحباني وأمسياته الخمس في قلعة دمشق، إذ أنه ولأول مرة يلتقي مع جمهوره السوري. زياد الذي أبدى تفاجؤه بالجمهور السوري، إذ أنه لم يكن يتوقع هذا العدد الهائل، أو هذا الحب الاستثنائيّ. كذلك كان حفلات الفنان مارسيل خليفة في أربع مدن سورية. و لا يقلّ أهمية قدوم الفنان السوري عابد عازرية. كما أن تنظيم ليالي «موسيقى العالم» في قلعة دمشق جعل الجمهور يتعرف على أنواع مختلفة من الموسيقى، وكذلك تظاهرة «النساء تغني» والتي كان مسرحها قصر العظم، هذه التظاهرة التي قدمت أهم المدارس الموسيقية في الوطن العربي، كما أنه خصص ثالث ثلاثاء من كل شهر لأحياء أمسية موسيقية لأحدى الفرق الموسيقية الشابة، كذلك قدمت الأمانة منح إنتاجية للسينما من خلال دعمها للمخرجين الشباب في السينما، أما في المجال الإبداعي فجاءت ملتقيات «الرواية والسرد العربي»، و«ملتقى الشعر العربي المعاصر» والذي تم إهداؤه إلى روح محمود درويش، وقد تم التعرف من خلال هذا الملتقى إلى أصوات شعرية جديدة بعد حصول اثنتي عشرة مجموعة لدزينة من الشعراء الشباب على منحة الأمانة في الأصوات الشعرية الجديدة. وكم كان مؤسفاً ما حصل في معرض مكتبة الأسد الدولي للكتاب والذي بدأ بمنع شيخ الناشرين العرب «مكتبة مدبولي» من المشاركة، ومن ثم سحب كتب من الدور المشاركة في المعرض بعد أن تم السماح بعرضها وتداولها، بسبب الإساءة الأخلاقية. إلا أن الفضيحة الكبرى تجلت بمشاركة إحدى دور النشر السورية بثمانية أجنحة تحت أسماء وهمية بعد أن حرم الكثير من المشاركة بحجة ضيق المكان.
ودعت دمشق العام بحدث مأساوي آخر تجلى بالعدوان البربري على قطاع غزة مما جعل الأمانة تلغي الاحتفال المقرر نهايتها كعاصمة للثقافة العربية.
والسؤال الذي يبقى معلقاً هل ستشهد دمشق هذا العام حراكاً ثقافياً مثل الذي سبقه وتثبت أنها عاصمة للثقافة العربية دون أن تحتاج تتويجاً؟ أم ستجعلنا نشعر بالحنين للعام الماضي؟
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.