ربما ..! تاجر الشنطة الأدبية
كل صباح، يجهّز حقيبته بقصائد موزعة على غرضين: وطني وغزلي، وبمقالات قديمة أعاد نسخها ليلة البارحة عن المناسبات الوطنية والدينية والقومية، وأخرى عن معالم أثرية خالدة من ربوع بلادنا الخضراء. يتفقد البضاعة في نظرة أخيرة ثم يخرج قاصداً «وجه الكريم»..
في الصحيفة المعنية بالسياحة يعرض ما لديه من مقالات حول الأوابد، وفي المجلة الإسلامية يضع قصيدة في المديح النبوي، وفي الصحيفة اليسارية يترك مقالاً عن ضرورة التغيير الثوري... وهكذا دواليك.. كل يوم ييمم وجهه شطر منبر ولديه ما يلزم، فهو يعرف ماذا يناسب هذه الدورية، وكيف تفكر تلك الجهة، وما هي اللغة التي يفضّلها مدير تحرير هذه المطبوعة، ونظيره - عدو الكار - في مطبوعة أخرى، إضافة إلى اطلاعه التام على روزنامة الأعياد والمناسبات وتولّي العروش، واليوبيلات المتنوعة.. هذا ما يفعله تاجر الشنطة الأدبية دائماًَ، والذي قد يشكو لأصحابه في المقهى اليوم أن شجاره مع زوجته قد كسر ميزانية هذا الشهر كونه عطّله عن إتمام مقالة عن «الجامع الأموي»، وسيطلب تضامنهم معه غداً لأن قصيدته عن عيد المرأة قد تم إهمالها.. وسينصح شاباً غرّاً بعد غد أن يكتب قدر ما يستطيع لأن «مادة على مادة... تلم»...
أما في ما يخص الكتابة، الموقف، الرأي... فهذا ما لا يمكن مطالبة تاجر الشنطة به، فهو مجرد تاجر صغير محترف، لا فرق لديه بين الشِّعر و(حفّارة الكوسا) مثلاً، أو بين رأيٍ من يمين اليمين مع رأي من شمال الشمال، لأن الثقافة مجرد باب رزق.. وحلال ع الشاطر!
ما أكثر توالد تجار (الشنطة) هذه الأيام، وما أتعس الثقافة!
■ رائد وحش
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.