بين قوسين ثقافة المربع الأول!
فجأة وجدنا أنفسنا في المربع الأول. هناك من يسعى من دون هوادة لإغلاق الدائرة على مفاهيم ثقافية كالهوية والمقاومة والغزو الثقافي، كنا نعتقد أن الأسئلة حولها وعنها قد انتهت منذ نصف قرن بحثاً وكتابةً.
وفقاً لهؤلاء، مطلوب من الثقافة العربية أن تغلق الحدود بوجه ثقافة الآخر باعتبارها ثقافة مشبوهة، وكأن المأمون لم يؤسس دار الحكمة قبل قرون بترجمة ثقافة الآخر، وكأن محمد عبده وطه حسين لم يناقشا أسئلة التنوير والحداثة، وكأن الجغرافيا السياسية لم تختل منذ مطلع التسعينيات. علينا حسب ما يرتئي هؤلاء أن نتمترس تحت خيمة أسئلة قديمة، وألا نواجه التحديات الثقافية المستجدة. هل ننام على تراثنا ونكتفي به، أم نصنع ثقافة جديدة موازية لتحولات شارع اليوم؟ حالة فقدان الذاكرة لدى البعض، لا تخولهم تفصيل ثقافة تتناسب مع مصالحهم الضيقة عبر خطاب استغاثي تحت بند حماية ثقافة الأمة وهويتها المهددة. أمام الثقافة العربية اليوم تحديات تفوق ثقافات الآخرين، وذلك نظراً لغياب الخطط الإستراتيجية، والاكتفاء ببرامج مرتجلة تنتج خطابات لفظية ليس لها تأثير ملموس على الأرض. المانشيتات وحدها ستتبخر مع أول هبوب ريح مضادة. هكذا دخلنا العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين بأيدٍ فارغة، من دون أن نفكر بمصير ثقافة لم تنتج خطاباً مختلفاً منذ نصف قرن على الأقل، عدا التمركز المستمر حول أصولية ثقافية ترغب بنسف كل ما لا يشبهها أو يسير على خطاها. ثقافة أصولية تسللت من فضائيات شعبوية إلى متن النص المكتوب، ورفعت راياتها في أكثر من مكان، مستغلة غياب الخطاب التنويري والعلماني، وإذا بها تحتل المنابر في غفلة من الآخرين وتتمترس في خنادق تقطع الطريق على أسئلة الجدل والسجال. تعالوا نتذكر متى كانت آخر معركة ثقافية شهدتها الساحة المحلية؟ الجواب لا معارك ثقافية على الإطلاق، هناك نميمة ثقافية، تصفية حسابات شخصية ، إقصاء ،إلغاء، تحطيم، تنفيس دواليب، أما الحوار الثقافي الخلّاق، وثقافة التجاور، واحترام الرأي الآخر، فلم يعد لمثل هذه المصطلحات أية صفحة في القاموس، وحين تتسلل عبارة من هذا النوع إلى القاموس، فإن فؤوساً كثيرة تترصد أعناقها عند أول منعطف!
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.