جهاد أبو غياضة جهاد أبو غياضة

وما ملكت أيمانكم: على جبهة الثالوث المحرّم

«وما ملكت أيمانكم» (سيناريو: د. هالة دياب، إخراج: نجدة إسماعيل أنزور) دراما بانورامية اجتماعية من طراز خاص كونها العمل السوري الأول الذي يطرح ويشرح التابوهات المجتمعية الثلاثة «الدين والجنس والسياسة» بمثل هذه الجرأة والوضوح، ويتهم ويحمل المسؤولية باتخاذه المجتمع السوري كوحدة مكانية للتعبير عن التغيرات والتبدلات الصارخة التي ظهرت في المجتمع العربي ككل؛ بتأثير عوامل خارجية فرضها منطق العصر، من الاحتلال إلى العولمة الثقافية والاقتصادية، إلى الإرهاب والتطرف الديني الأصولي، وشيوع ثقافة «تسليع الإنسان». وبتركيز على التبدل الحاصل في بنية المجتمع السوري، وتلاشي وزوال الطبقة الوسطى، وما يخلفه هذا الزوال على الفرد من مفرزات تتجلى برد فعل دفاعي يكون: أما بالهروب باتجاه الغيبيات والتقوقع الديني، أو بالانفلات القيمي والفكري واللا انتماء.

وينطلق العمل من حياة شخصياته الرئيسية الخاصة، وهي في غالبها من النساء اللواتي تتقاطع مصائرهن نتيجة للوضع الاجتماعي والاقتصادي، ليصور الصراع الذي تعيشه الشخصيات بين محاور الدين والاعتقاد والتمرد، والقيم الثقافية والعادات الاجتماعية، والرغبة الجسدية المكبوتة. وليحمل على هذه البنية الدرامية مقولاته الكثيرة عن انسحاق المرأة في ظل السيطرة الذكورية، وعن الدين والتعصب وإساءة تفسير النصوص، وازدواجية القيم، وتسلل الأصولية والإرهاب الديني من بوابة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعن الجماعات الأصولية واستغلالها الدين ثقافياً وسياسياً وغريزياً.. عن السياسة وفساد السياسيين ولا أخلاقية بعضهم.. عن الجنس بين الغريزة والرغبة، ومنظومة الفكر المجتمعي الشرقي، وامتهان الأجساد وبيعها لرجال الأعمال، أو الدجالين المتسترين بالدين.

ونتيجة لهذا الحشد المكثف جداً في الأفكار والطروحات والقضايا، وانفتاح العمل على المشاكل الاجتماعية دفعة واحدة، وعلى فترات زمنية (من 2008 إلى 2018) فقد وقع السيناريو في مطب ضعف المعالجة الدرامية، وعدم إشباع النمو الدرامي لبعض المحاور على حساب محاور أخرى، و في تسرع التطور الدرامي المنطقي للشخصيات والأحداث. ومما يعاب عليه خطه الدرامي في تصوير اللاجئين العراقيين في سورية، والذي اختزله بفتاة تمتهن الدعارة وتغطيه بعمل ليلي، وبشاب يمتهن سرقة السيارات، وهذا اجتزاء مشوه للنسيج الاجتماعي العراقي.

يتقاطع العمل مع عمل قدم سابقاً للمخرج والكاتبة هو «الحور العين» من حيث التشابه في الموضوع والطرح وحتى العنوان المستمد من القران الكريم لكن «وما ملكت أيمانكم» وما تعنيه هذه العبارة من إحالة على عصر الجواري والإماء والسبايا، يختلف من حيث اعتماده لا على عرض النموذج فقط، بل على النقاش والجدال الفكري والعقائدي الفقهي حول تفاسير المفاهيم والآيات وهو ما ورد بزخم من خلال تضارب النماذج بين رجل الدين الصحيح الإيمان والسوي الفكر وبين المتعصب المتزمت المشرع لنفسه.. المحرم على الآخرين.

يتميز العمل برؤيته الإخراجية المتراوحة بين الإبداع في رسم الصورة وفلسفتها في المحاور المركز عليها، وببنية مشهدية تكاد تصل درجة الابتذال أو اللاحرفية، إضافة لمشاهد مقحمة لا تخدم السياق الدرامي، لكن ما يسجل لأنزور اختياره الموفق للممثلين، وقدرته المعروفة كقائد للعمل على استفزاز أقصى طاقات الممثل وملكاته الإبداعية الجسدية التعبيرية، والانفعالية النفسية، وهو ما تجلى بأداء الشخصيتين الرئيسيتين: «ليلى» التي أدتها باقتدار ليس بالجديد عليها الفنانة «سلافة معمار» يعيد للأذهان دورها في «زمن العار»، وان كانت الشخصيتان تتقاطعان في بعض الظروف والمحاور. وشخصية «توفيق» التي جسدها القدير «مصطفى الخاني» بأداء مبهر يحبس الأنفاس ويثبت نجومية هذا الفنان.

ليست مهمة الدراما أن تخلق ثورة بقدر أن تحرض الناس على أن يروا أنفسهم وحياتهم على حقيقتها، فإلى متى سنبقى أسرى للتابوهات التي ورثناها عن آبائنا الأولين، وإلى متى يبقى حرام علينا أن نناقش في العلن ما يجري في السر؟ ويبقى شعارنا «إذا بليتم بالمعاصي فاستتروا»؟؟!.

آخر تعديل على الأربعاء, 27 تموز/يوليو 2016 22:01