الثقافة الوطنية بين السحر والشعوذة والتهميش
هل بدأت الحركة الثقافية والفنية في دير الزور.. تخرج من شرنقتها وسباتها الذي كان كصمت أهل الكهف ومعهم كلبهم، من خلال مهرجاني المرأة والأغنية الفراتية بشكل متقدم نسبياً، أم أنها لم تزل تغط في سباتها، بينما تنعم جارتها الرقة بحياة ثقافية نشطة؟
هل الأوصياء الثقافيون هم سبب ثقافة اللون الواحد و ضيق الهوامش، أم قلة الدعم المادي، أم أن السبب هو كل ذلك المترافق مع التراجع العام على مستوى الوطن؟
والاهم ما هي الثقافة التي نريدها ويريدها المواطنون الآن، بعد أن ساد النمط الاستهلاكي جميع جوانب الحياة؟
تساؤلاتٌ ليس من السهولة الإجابة عنها، لكننا سنورد وقائع ونعبر من خلالها عن وجهة نظر ربما لن ترضي هذا أو ذاك ممن لا يريدون أن يعملوا، أو ممن يريدون أن يبقوا مهيمنين على الحياة الثقافية المتردية:
تَيس البوكمال كان منذ سنوات يحلب، ويشفي كل الأمراض والعلل، واستنفرت لحمايته الإمكانات الأمنية، ونسجت حوله القصص والعجائب والأساطير، وحملت كثير من النساء اللاتي كنّ يعتقدن أنهن عواقر.. لكن ليس من تيس البوكمال، وإنما من تيوس القرية .. كما قالت إحدى العجائز الحكيمات. والمؤسف أنّ الكثيرين ممن يعتبرون أنفسهم علمانيين أو علميين قد انقادوا خلف تلك القصص، وما زالوا، إلى أن تحول الأمرُ إلى فضيحة إعلامية فذبح التيس بعد أن امتلأت جيوب الكثيرين، وابيضت أيديهم من حليبه، لكن لم تذبح الأسباب التي أدت وساعدت على ظهوره وانتشاره !!
وكل يوم يبرز السيد المشعوذ بلحيته الكثة وربيبه شرطي البلدية في إحدى البلدات، هذان اللذان حوّلا وكرهما باسم الدين للدعارة، وهتك الأعراض وتصوير السذج في أفلام إباحية، ثم استغلالها بالابتزازوتصدير حتى الخليج دون أن يطالهما القانون بالعقوبة ! بينما أعراف الشرف تُحرِّم الحب، وتستبيح الأجساد اليانعة كقرابين لأمراض المجتمع، ويحاول البعض سنّ قوانين في الأحوال الشخصية تعيدنا قروناً إلى الخلف، أو تبيعنا (بالذمم)، وتحوّل النساء إلى سبايا مستباحة.
أحد من تربعوا على عرش الثقافة على مدى عقدٍ ونيّف في دير الزور اعتبر الفن والمسرح والموسيقى حراماً، لكنّ كنز الذهب والفضة في مغارة علي بابا والأربعين ... كان حلالاً، واستمر لأنّه يجيد قرع الطبل الأجوف ويركب الأمواج الوهمية، فغرقت الحركة الثقافية في بحر من الظلمات.. طيلة فترة تواجده .
تعددت المهرجانات والطبل والزمر فيها واحد، وتحولت إلى مراكز دعائيةٍ لما يُسمى الشركات الداعمة التي اغتنت من النهب والفساد.. وكان التراث فيها نسياً منسياً، فيما تحصل مثلاً من تدّعي أنها مطربة على مئات الآلاف وهي تقول على مسمع من المسؤولين : «اسمع بس اسمع يا لعينك تدمع».. بينما لا تحصل فرقة التراث الفراتية إلاّ على الفتات كمكرمةٍ ،والمِنّةُ فيها تُزكِم.. وتُمزّقُ الحياء !!
سبق أن ألغيت محاضرة لاقتصادي وطني كبير في المركز الثقافي بدير الزور لأنّه يغرد خارج سرب الليبراليين في الحكومة وأتباعها، كما تعرض العديد ممن شاركوا في مهرجان الذكرى 85 لتأسيس الحزب الشيوعي لمساءلات ودراسات وكأنهم ارتكبوا جريمة، أو كأنهم أعداء للوطن، بينما الفاسدون والمنافقون وسارقوا قوت الفقراء يسرحون ويمرحون وهم المبشرون بالنعيم؟
وقائع وحقائق كثيرة تبين هشاشة الثقافة المسيطرة، وتُثير السخط والغضب، لما فيها من بشاعةٍ يندى لها الجبين.
من هنا نقترح أن تُختار مدينة كلّ عام من المدن السورية لتكون مدينةً للثقافة، كما جرى ويجري أن تكون هناك عاصمة للثقافة العربية، وذلك لتفعيل الثقافة الوطنية الحقيقية.. ولمواجهة التحديات الداخلية والخارجية والتي وصلت في خطورتها إلى مفترق طرق.. ورغم كلّ ذلك فكثير من الشرفاء، ليسوا محكومين بالأمل فقط ، وإنما محكومون بالانتصار لكرامة الوطن والمواطن التي تبقى فوق كلّ اعتبار !!