«زلزلة السماء» لفيسينتي هويدوبرو رؤية فجائعية للكون والوجود والحضارة
«زلزلة السماء» التي عنون بها الشاعر نصه ليست سوى هذه الرجة الهائلة التي يحدثها الفناء أو الموت في فضاء الوعي الإنساني، من خلال رؤية فجائعية للكون والوجود والحضارة، تتهدج بإيقاع هذياني مؤثر.
بهذه العبارة ينطلق الشاعر والمترجم عاشور الطويبي في تقديمه لكتاب «زلزلة السماء» للشاعر التشيلي «فيسينتي هويدوبرو» وهو عبارة عن نص شعري طويل ومركّب نقله الطويبي من اللغة الإسبانية إلى العربية.
يُعدُّ هذا النص أحد تجليات شعر الحداثة الذي اكتسح المشهد الشعري في الغرب خلال النصف الأول من القرن العشرين، ذلك أن «هويدوبرو» وإن لم يكن شاعراً أوروبياً، إلا أنه ينتمي ثقافياً وحضارياً إلى التقاليد اللاتينية، فضلاً عن كونه أحد المساهمين المتميزين في حركة الحداثة الأدبية والفنية، من خلال صلاته العميقة منذ بداية القرن العشرين بأعلام الحركة التكعيبية ثم السوريالية الكبار، وتفاعله معهم وصداقته الوثيقة لبعضه، ويندرج هذا النص الشعري الطويل في باب الشعر الكوني، إذ يتدفق بإيقاع ملحمي جليل، ويموج عالمه بكائنات يمتزج فيها الواقع بالفانتازيا، وتنفتح فيه المصائر على أزمنة التقوض والانهدام، ويخضع لتحولات مفاجئة تتصادى فيها أجواء الرعب والغرابة، وفي كل ذلك يبدو النص، في مجمله، كأنه منقاد بمشيئة التداعي الحر الذي يشارف حدود الهذيان والجنون، بل ويبدو أشبه بالدوامة الكاسحة التي تأخذ العالم في مدارها المواّر.
تتزاحم في النص مفردات العمى والأشباح والموج والسفن المحطمة والنيازك المتساقطة من السماء، والدخان المتصاعد، والظلال، والنأمات المغموسة في نبع الأسرار، والملاك الطائر، والنهود الطافية، والرؤوس المقطوعة والكهوف البحرية وغيرها من المفردات والعناصر التي تشي بمشهد القيامة. وتتواتر في النص ايضا مفردة «القاتل» نعتا للموت لا غير، وهو ما يعني أن الموت لا يمكن أن يحدث من الداخل، أي من داخل الذات أو الكيان، بل من خارجه «إحرصي على ألاّ تموتي قبل موتك».
فيسينتي هويدوبرو ولد في مدينة سانتياجو بتشيلي عام 1893 ومات في مدينة قرطاجنة نتيجة نزيف في الدماغ في عام 1948 عن عمر ناهز الخامسة والخمسين. درس الأدب في الجامعة التشيلية سافر إلى نيويورك عام 1927 واشتغل في العمل السينمائي وأخرج فيلم كاليوسترو واصدر: مجموعات شعرية هي: «أصداء الروح، أغان في الليل، الخطاط، المثلث الهارموني، صرخة الصمت». كما اشرف على تحرير العديد من المجلات العالمية:كـ«مجلة الملهم الصغير، أزولا، إبداع».