بين قوسين: تحية إلى تشومسكي
ليست زيارة نعوم تشومسكي إلى فلسطين (منعته السلطات الإسرائيلية من دخول الضفة) والجنوب اللبناني، أمراً عابراً، ذلك أن هذا المفكر الأمريكي المنشق، جاء بأعوامه الثمانين إلى المنطقة لتصدير الفضيحة الإسرائيلية إلى العالم مجدداً، ففي الوقت الذي خفت فيه صوت العرب إلى حدود الصمت المطبق، هاهو تشومسكي يطلق أكثر من إشارة تفضح عنصرية هذا الكيان «لقد باتوا عديمي العقلانية على نحو بالغ» يقول. ويصف أمريكا اليوم بالمافيا «العرّاب لا يقبل التمرّد. العناصر الصغار يجب أن يطيعوا. لأن العرّاب، إن تساهل مع متمرد سيظهر متمرّد آخر».
كانت «أفيفا» ابنة تشومسكي، طوال الرحلة تلتقط الصور للأرض المنهوبة والمنكوبة والمدمّرة، لتضعها في أرشيفها الخاص كذكرى ووثيقة، وذلك لإيمانها العميق بأن ما يحصل اليوم للفلسطينيين لن يستمر إلى الأبد. ويشدد تشومسكي بأن مصير إسرائيل لن يكون مختلفاً عن مصير نظام الأبارتيد في جنوب أفريقيا الذي انهار في تسعينيات القرن المنصرم «لا مستقبل لإسرائيل على المدى الطويل»، هذه قناعة أكيدة لدى صاحب «قراصنة وأباطرة»، فمهما فلتت إسرائيل من مواجهة استحقاقات التاريخ، فسيأتي يوم تدفع فيه الفاتورة «إن من يدعون أنفسهم بـ «مؤيدي إسرائيل» هم في الحقيقة يؤيدون تفسخها الأخلاقي ودمارها النهائي المحتمل».
في كتاب «أشياء لن تسمع بها أبداً» وهو مجموعة لقاءات مع تشومسكي، نتعرّف على جوانب إضافية من حياة هذا المفكر اللغوي واستبصاراته لمصير العالم. يقول: «يجب على حفنة الساسة المغامرين في الولايات المتحدة أن يقرؤوا التاريخ، فقد زالت إمبراطورية الإسكندر والمغول وروما وبريطانيا العظمى. يجب أن لا تخضع سياسة أكبر وأقوى قوة في العالم لمصلحة عصابة من تجار النفط والأسلحة»، لذلك فإن تشومسكي لا يبدو متفائلاً بإنجاز ما سيحققه الرئيس الأمريكي أوباما، فهو سيتابع مجبراً سياسات سلفه بوش «وما قاله في الحملة الإنتخابية عن المثل السامية والتغيير ليس إلا مؤثرات انتخابية»، بدليل أن حصار الشعب الفلسطيني متواصل وزادت حكومة نتنياهو خطورة الوضع باحتلال الجزء الشرقي من مدينة القدس وترحيل أهله.
يستشهد تشومسكي مراراً مقولة لموشي دايان بشأن الفلسطينيين، أطلقها بعد احتلال67 «لا يوجد لدينا حل، ستستمرون في العيش كالكلاب وأي شخص يرغب في الرحيل يمكنه ذلك وسنرى إلى أين ستؤدي هذه العملية»، ويرى أن هذه الفكرة لا تزال منهجاً إسرائيلياً، يتكرر بعناوين مختلفة.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.