«سفر الحناء» عبق الجديد
أصدر الأديب عوض سعود عوض مجموعته الخامسة «سفر الحناء» عن اتحاد الكتاب العرب. أسلوب الكتاب في كل قصصه هو الأسلوب الحداثي، ولكن المواضيع كلها قدمت لنا بشكل مباشر، ليست كمباشرة القصة التقليدية التي يغلب عليها الإنشاء والخبر والإعلام بل هي مباشرة ملتصقة بكل موضوعات الحداثة في الزمان والمكان والأفعال والضمائر والحوارات الداخلية والخارجية، وفي تناول اللفظة والجملة وغير ذلك من معطيات الحداثة في كتابة القصة القصيرة..
استطاع القاص التلاعب بالزمن والإمساك به والتمكن من تسييره بحرفية بينة، وقد تنقل من زمن قصصي عادي إلى زمكن مطلق في بعض القصص إلى زمن استباقي في بعضها الآخر، ولم يبق الزمن عنده جامداً، بل هو متحرك حسب شخصية القصة والأحداث التي تمر بها، وكذلك استطاع تكييفه حسب الإحالات المختلفة في قصصه وأكثرها لا إشارية، ولو أن أكثرية قصصه مباشرة.
قصص المجموعة قصص مشوقة تجذب القارئ إليها، وتشده إلى متابعة مجرياتها والوقوف عند جزئياتها وأحداثها ووضع الأسئلة حولها وتكوين أجوبة معينة عنها، والتشويق حالة جميلة في كتابة القصة القصيرة.
وجد الحوار الخارجي في المجموعة، ويعتبر وجوده من مكونات القصة وتجنيبها التسلسل السردي والإنشاء والجمود، وهو من شروط الحداثة القصصية، ووجد هذا الحوار في عدة قصص هي: وحيداً يجر عربته، شرخ أنثوي، صهيل عجاج، امرأة من أوراق الخريف، بوح غريبة، وشاية... وقد حلى الحوار الخارجي للقصص وزخرفها.
وبالنسبة للحوار الداخلي والذي هو أهم من الحوار الخارجي، الذي يطول الوجدان والأعماق، وهو حوار بين الإنسان وذاته ورؤية للنفس وكيف تفعل؟ وبماذا تفكر؟ وإلى أين تذهب؟ في لحظة معينة، وهل ستصل إلى غايتها؟ إلى أخر أسئلة الحوار الداخلي.
وقد ظهر الحوار المشار إليه في عدة قصص هي: مفاتيح لشقة واحدة، جمر انتظار، عزف لحظات منسية، ثلاث نساء في جسد امرأة.
قرب الحوار الداخلي قصص المجموعة من الحداثة الفنية وخلصها من الرتابة... كل البدايات في قصص المجموعة بدايات جيدة، وهي من أساليب التشويق والجذب إلى متابعة القراءة، أما النهايات في القصص فلم تكن كلها مفتوحة، بل كانت هناك نصف القصص نهاياتها مفتوحة ونصفها مغلقة، ولو استطاع الكاتب تركها مفتوحة لكان أفضل، إذ أن النهاية المفتوحة معناها ترك الطريق مفتوحاً أمام القارئ ليخمن النهاية... حسب وعيه ورؤيته ومتابعته، أما إذا أعطى الكاتب للقارئ ماذا يريد في النهاية، فأنه لا يترك له شيئاً، ويقدم له المعنى جاهزاً، وكذلك يبتعد عن الحداثة قليلاً.
ومن القصص ذات النهاية المفتوحة... : بوح غريبة، نصف اللوحة في كفي، صهيل عجاج، وشاية، عقد قابل للتمزيق... إلى آخره.
أصبح للعنوان في الدراسات النقدية الأدبية الحديثة محل واسع، ولم يعد العنوان فقط تفسير واختزال المعنى، بل أضحى يشارك في جماليات الرواية والقصة والشعر، ويندمج في نسيج العمل، فهو في الإحالة والإشارة والتدقيق والإيحاء وغير ذلك، فماذا نجد في عناوين مجموعة «سفر الحناء» يا ترى؟
عنوان الغلاف عنوان جيد وموحٍ يأخذ القارئ إلى أبعاد جديدة.. أما عناوين القصص فقد لاحظنا ثمانية عناوين جميلة وجيدة فقط، من مجموع القصص وتراوحت البقية بين العادي وفوق العادي قليلاً، أما العناوين الجيدة فهي: دموع تمتطي غيمة، عبث النهايات، انتحار العشق على الأرصفة، نصف اللوحة في كفي، صهيل عجاج، امرأة من أوراق الخريف، عزف على لحظات منسية، أبجدية وردة.
ساهمت العناوين الجيدة في رفع سوية القصص التي عنونت بها وارتقت فنياً جراء وجود العنوان...