«كالكرود»..
لكم يصعب على المرء المحب لوطنه، العاشق للغته، هذه اللغة المقدسة، أن يراها مهملة، أو يرى الإقبال على غيرها أشد، فالناطق بالعربية الذي لا يتقن منها شيئاً على الغالب، صار يبحث عن إتقان الفرنسية والإسبانية فضلاً عن الإنكليزية، يبحث عن معنى المصطلح كذا ومعنى الكلمة كذا، وهو لم يرجع يوماً إلى لسان العرب ولا إلى قاموس الفيروز آبادي ليقرأ معنى كلمة عربية لم يفهمها ـ وما أكثرها ـ!
ولكم يصعب على هذا العاشق أن يرى العامية قد اجتاحت أرباب المنابر وأصحاب الأقلام، فتمكنت منهم، واعوج لسانهم.
وثالثة الأثافي أن العامية المقيتة لم تعد تخرج من أفواه هؤلاء إلا مشوهة، لا تكاد تفهم منها شيئاً، فمخارج الحروف وأصواتها معطلة عند الجميع، والسكون يوضع في كل مكان، بل وكأنما هناك مسابقة بين المذيعين، من يستطيع استخدام السكون أكثر؟! والتاء المربوطة عندهم ورطة، يحاورن في لفظها، هاءً أم تاءً؟!
والفاعل منصوب والناصب مضروب والمستمع مسلوب! وطامة الطامات أننا بعد أن اعتدنا «النواعم» الذين يخرجون «القاف» كافاً و«الطاء» تاء، وجب علينا أن نتقبل كتابتها وقراءتها كذلك، ففي موسوعة كنت أظن أنها مدققة ومحققة وجدت لفظة «الفلسطينيين» مكتوبة هكذا: «الفلستينيين»!! وهي مكررة بهذا الشكل (بكل خطورة العبث بالكلمة)، وما المقصود بها إلا سابقها، وفي إعلان آخر كتب «سوء على مهلك»، ولا أدري على من وجب السوء أن يقع.
وفي مؤتمر ثقافي علمي يدعو للمعرفة والقراءة، يديره بعض كبار «المثقفين» كان شعاره مكتوباً كذلك: «إقرأ»، بهمزة قطع لا بهمزة وصل!.
وحين هممت بالنصح بالتصويب، وأنها لابد أن تكتب هكذا «اقرأ»، أجابني كبير مثقفيهم: «لا تدءّء أستاذ!».
أما من دفعني لكتابة المقال، فمحلل اقتصادي على قناة محترمة، سمعته عرضاً يقول: «كالكرود»، وأفنيت بضع نهاري أحاول فهم ما لا يفهم، وتحليل ما لا يهضم، ولكن ليس إلى مردٍّ من سبيل، وإني أستغيث بحضراتكم، عل فيكم من هو شفاء العليل.. فمن أغاثنا بالفهم سندعو له مقنين «كتير ميرسي لإلك»، ومن شاركنا بالعدم سنغني وإياه «حيرت ألبي معاك».
ويالله، على «أولة» كبير المثقفين: «ما بدها تدءيئ!»