بين قوسين: التطبيع.. والكسل.. والاحتماء بالشعارات
يبدو أن القائمين على اتحاد الكتاب العرب في سورية ما زالوا يعتقدون أن البقاء في حالة تمترس خلف المنطلقات والشعارات الكبرى المتعلقة بالصراع العربي- الصهيوني، والتي تعد مسلمات أساسية غير قابلة للجدل بالنسبة للغالبية الساحقة من المثقفين والمبدعين السوريين، دون ترجمة ذلك إلى جهد استراتيجي حقيقي، فاعل ومجدٍ وخلاّق، يكفي لمواجهة العدو ومناهضة التطبيع معه من جهة، ولاحتفاظهم بمناصبهم وامتيازاتهم وبرضى القيادة السياسية عنهم من جهة أخرى.. فقد جاءت مذكرة الاتحاد «حول جائزة البوكر للرواية العربية، وجائزة نجيب محفوظ للجامعة الأمريكية في القاهرة»، التي تصر على تذكير الأدباء والمثقفين بأسلوب مدرسي، بما لم ينسوه أبداً، لتثبت من جديد أن قيادته استساغت الكسل والاحتماء بالشعارات الوطنية لكي لا تفعل شيئاً ذا قيمة لمواجهة التحديات الكبرى التي تفرضها طبيعة صراع الـ«وجود» مع العدو الصهيوني، انطلاقاً من أن «الثقافة والأدب والفكر والفن سلاح أصيل وجوهري في هذا الصراع».
المذكرة التي جاءت متأخرة كثيراً، وأُطلقت الآن لأسباب لا يعلمها سوى خاصة الاتحاديين، تسهب في تعداد المنابر المشبوهة، التي لم تولد قبيل إصدار المذكرة طبعاً بل إنها موجودة منذ سنين، وتفرط في شرح الأساليب التي يعتمدها العدو وعملاؤه لجذب الأدباء نحو التطبيع، ومنها إغراؤهم بالجوائز والمكافآت والهدايا والسفر إلى الغرب، والتلويح لهم بفتح الآفاق أمامهم نحو الشهرة والعالمية، بشرط أن يخوضوا في موضوعات «لا علاقة لها بالوطنية»، كالكتابة عن «الجنس، الأقليات، الطوائف، المرأة، الاستبداد السلطوي العربي، قمع الحريات»..إلخ.. لتصل في النتيجة إلى أن كل ذلك يتم بسبب غياب الجوائز العربية «المهمة».. دون أن تأتي، أي المذكرة، بأي جديد على مستوى الآليات، أو الآفاق البديلة التي يمكن اعتمادها في مواجهة هذا الخطر القائم، وهو التطبيع الثقافي.
اللافت، أن صائغي المذكرة التي يجب مناقشة مدى دقة معلوماتها وخلاصاتها حول المنابر والجوائز التي تراها مشبوهة، على نطاق واسع، بقدر ما يجب مناقشة ما قدموه هم في «إبداعاتهم» على مستوى التصدي للعدو ثقافياً، يتحدثون باستعلاء وبلهجة تقريرية تتضمن أحكاماً نهائية، ويطغى على كلماتهم قصور واضح في فهم طبيعة وعمق الصراع الثقافي مع العدو الصهيوني، ولعل أبرز ما يؤكد ذلك اعتبارهم أن الحديث عن المرأة، والاستبداد السلطوي العربي، وقمع الحريات..إلخ، لا يدخل في إطار التهيؤ لهذا الصراع، كما غاب عن مذكرتهم أن المثقف العربي عموماً، والسوري تحديداً الرافض للتطبيع فطرياً، لا يجد أية رعاية يمكن أن تقدم له الحد الأدنى من الضمانات لكي لا يضعف أمام إغراء الجوائز التي يمكن أن تكون مشبوهة، وما يزال حصنه الحصين في هذا الإطار هو وطنيته ووعيه وصبره على الفاقة والتهميش، خاصة في ظل قلة المنابر الصحفية والإعلامية المحترمة التي تعينه على العيش كريماً مكتفياً، ومع الغياب شبه التام للجوائز الأدبية الوطنية المحفزة والداعمة، بما في ذلك الجوائز والمسابقات التي كان يمكن لاتحاد الكتاب أن يرعاها لو كان يملك مشروعاً وطنياً واضحاًً، وتركها للقطاع الخاص -النيوليبرالي في نهاية المطاف بكل المعاني البعيدة لذلك- ليمارس أريحيته المزيفة فيها.
أيها السادة في اتحاد الكتاب.. مناهضة التطبيع الثقافي مع الكيان الصهيوني لا تتم بـ«الإيعاز» بمقاطعة هذه الجائزة أو تلك، وتجنّب النشر في هذا المنبر أو ذاك، رغم أهمية الدعوة والشرح لخلق التزام طوعي واسع لدى المنتجين ذهنياً بذلك، بعيداً عن الإملاء، بل هو عمل استراتيجي خلاّق ومتعدد الجوانب ومنفتح على كل الأدباء والمفكرين، وعلى كل الموضوعات الاجتماعية والفكرية والسياسية التي ما يزال التعامل معها كمحرمات ومحظورات يتيح للعدو النفاذ منها وطرقها من الزوايا التي تناسب مشاريعه في البقاء والتفتيت والهيمنة وتمييع الصراع وتضليل بوصلته..
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.