ربما ..! رائــحة الفلافل

«معركة دبلوماسية حامية الوطيس نشبت بين وفديي السلام الفلسطيني و(الإسرائيلي) على الأرض اليابانية.. والسبب الفلافل»..!!

حدث هذا ذات مرّة في طوكيو فقد كان مفاجئاً لرئيس الوفد الفلسطيني أن تصل الوقاحة برئيسة الوفد (الإسرائيلي)، عراقية الأصل، إلى اعتبار الفلافل من أشهر أكلاتهم الشعبية.

الفلافل، الأكلة الأكثر شعبيّة في برلمان مطابخ الشرق، جدير بإثارة هذا الخلاف، ولكنْ في مطارحات أخرى، وليس بين وفدين على طاولة المفاوضات، أو «فاوضة المطاولات» حسب جملة شاردة للشاعر والروائي اللبناني رشيد الضعيف، فهو بالنسبة لنا نحن المسحوقين حق لا يساوم عليه مثله مثل كل الحقوق الوطنية والتاريخية والثقافية والإنسانية.

أكثر ما عرفناه، نحن أبناءَ الطبقاتِ المقليةِ بزيت اللعناتِ، محلات الفلافل، وربما ارتبطتْ سير الكثيرين منّا بهذه الأكلة، وبأماكن بيعها. من لم يسمع بـ«فلافل على كيفك» التي صارت موقفاً ونقطة علاّم في حي «المزة»؟ من لم يأكل من «فلافل بيسان» خصوصاً باسمها الذي يثير الشهية؟ أيام الدراسة، والطالب لا يملك من المال إلا فكّة الفكّة كانت سندويشات الفلافل الحلّ الأول لحشو المعدة، بل إن الطلاب الأكثر إفلاساً كانوا يشترون الخبز، البندورة، أقراص الفلافل، كلاًّ على حدّة، لكي يصنعوا منها وجبة بأقلّ تكليف ممكن. ومع الزمن، وانتشار هذه الأكلة إلى مستوى عالمي لتنافس البيتزا والهمبرغر والكرواسان. أجمل القصص التي عايشتها في المخيّم قصة بائع الفلافل الشهير الذي مات وانتشرت نكتة في المحيط سرعان ما تحولت إلى أسطورة: سوف يُدخل الفلافل إلى الجنة بجوار أنهار الخمر والعسل!! وقصة الرجل الذي فتح محلاً متواضعاً، بالأحرى فتح كوةً في الغرفة المطلة على الحارة من بيته، وكتب بخطّه المُجَعْلكِ: «للّفقراء والمحتاجين»! الجميع جعلتهم الجملة يتمنون الأمنية ذاتها: لو أن الأونروا توزع مع الحليب والسردين «لحم الفقراء» (كما هو أحد أبرز أسماء الفلافل الحسنى)!!  لكن ما حدث أن الرجل، ولا علاقة حقيقية له بتقاليد المهنة، كانت الكثير من أقراصه تحتوي أعقاب سجائر أو نواة زيتون، يبدو أنه كان يسهو عنها، فكانت النكتة: مع كل قرص تربح هدية مجانية.

ظهرت تحسينات كثيرة على القرص حيث صار يأخذ شكل نجمة أو قلب حب، وعلى السندويشة نفسها كلفِّها بخبز السمون، وهذه التحسينات عموماً تشير إلى تلبية طلبات المتبرجزين، هؤلاء الذين ينافسوننا على كل شيء، حتى على لقمة العيش (المسخّمة)، حتى بتُّ أقول إن هناك صراعاً  شاملاً على طعامنا، (إسرائيل) تنسبه إليها، والأغنياء يزيفونه ما استطاعوا كي يجعلوه لائقاً بأمعائهم الغليظة الفارهة كما بيوتهم.   

أما في غزة فللفلافل حكاية أخرى، فهذه المدينة التي كثيراً ما تعطلت فيها الحياة في حروب والحصارات التي لا تنتهي، وجد أهلها طريقة رائعة لتسيير السيارات، فلكي تستمر الحياة وضعوا زيت الفلافل بدل البنزين.. هكذا أصبحت المدينة كلها غيمةً سديميةً أطاحت برئات وقلوب الكثير من الغزاويين.

شيء أخير.. لكم أتمنى إمكانية طباعة هذا المقال بحبرٍ مأخوذٍ من زيتٍ قلي به الفلافل شهوراً، فقط كي تعرفوا أننا حقاً وحقيقيةً من هذه الرائحة!!

■ رائد وحش

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.