النقد الفني والدراما السورية

هل كان النقد الفني متوازياً ومواكباً لحركة المنجز الدرامي؛ خصوصاً بعد القفزات الأخيرة التي حققتها صناعة الدراما السورية ؟

يكاد يجمع العاملون في الوسط الفني (تمثيل، إخراج، كتابة، إنتاج وصحافة) على أن الدراما السورية متقدمة، وبأشواط كبيرة على عملية النقد الفني في الصحافة السورية، ومرد ذلك التاريخي أساساً لضعف، إذ لم نقل غياب المطبوعات الفنية النقدية بشكلها التخصصي.. إذ أنه وحتى أمد قريب كان الاعتماد الرسمي من جانب المؤسسات الحكومية على مطبوعة فنية واحدة هي «هنا دمشق»، وحتى مع ظهور المطبوعات الخاصة بقيت الحالة خبرية وحوارية في الجانب الأعم، ولكن مع النجاح والاتساع الذي حققته الدراما السورية كان لابد للصحافة من مواكبة هذا التطور. فصارت تظهر الصفحات الفنية التي تحتوي المقال الدرامي الذي يمكن الاصطلاح عليه بـ(انطباع) وتوصيف.. لا يرقى ليشكل دراسة وتحليلاً لمجمل عناصر العمل الفني وفق قواعد علم النقد، وإن ظهرت بعض المقالات النقدية الملمة بشروط وضوابط النقد؛ لكن ذلك بقي يندرج في إطار المواكبة الفردية التي لم تتبلور لتشكل تياراً نقدياً ذا رؤية ومشروع. وصولاً للتجربة الأخيرة لملحق «تشرين دراما» الذي يسعى القائمون عليه بجهد وقوة ملحوظة لتأسيس حالة نقدية فنية على أسس علمية وأكاديمية؛ تكاد تحيط بكل جوانب العمل الفني، لكن التجربة ما تزال في بدايتها ومحكومة بعدة عوامل..

ولكن كل ذلك لا يعفي الثقافة من مسؤولياتها (الأدبية) عن غياب النقد وعدم رعايته، فغيابه يمثل انعكاساً للهشاشة العامة، وضعفاً راسخاً في حركة المشروع الثقافي السوري عموماً؛ الذي تحكمه الفردية وضياع البوصلة، وانتفاء التنسيق والتوجيه باتجاه المشروع الثقافي العام، بأسسه وأهدافه البنيوية الواضحة، وان كان لابد من استثناء بعض التجارب في مجال الدراما كـ«مرايا» و«بقعة ضوء»، وكتابها أصحاب المشروع والرؤيا كـ«خالد خليفة، وليد سيف، فادي قوشقجي، حسن سامي اليوسف ونجيب نصير»..

وفي ظل ذلك كان لابد أن يتحول النقد الفني النامي بتنامي الدراما من عملية تحليلية تدقيقية وتصويبية إلى عملية توصيفية ذاتية يدخل فيها العامل الذاتي، ويحكمها المزاج والعلاقات الشخصية والثأرية، أو ما يدخل غالباً في إطار التقييم السريع، وغير المعمق لحركة المنجز الدرامي. ثم إن على الناقد أن يراعي في كثير من الأحيان العديد من الاعتبارات، أهمها حساسية توجيه الملاحظات، وهنا تنتقل العملية إلى إطار الحكي في العموميات، أو التلميح المبهم أكثر من كونها قراءة شاملة وفق مقاييس وأسس علم النقد الفني العالمي.

ولكن أكثر ما يعيق النقد الفني الدرامي هو وضع المجتمع وتركيبته الذهنية المتمثلة برفض ثقافة الرأي والرأي الآخر، وسيادة قاعدة من لم يكن معي فهو حكماً ضدي؛ التي أوصلت المخرج الكبير «بسام الملا» صاحب المشروع التثوري التنوري التأريخي (العالمي!!): «باب الحارة»، حين قوله: «من لا يحب باب الحارة فهو لا يحب الشام».

فهل سيعي القائمون على المشروع الثقافي السوري، والدرامي خصوصاً أهمية الثنائية الوظيفية بين البناء والتقويم، والإنتاج وتفكيك سمات المنتج، والاهم الوعي بأهمية النقد التي يطلع بتشكيل شروط الديالكتيك، والانفتاح في إطار حوار خلاق يفيد الطرفين، ويؤدي للنهوض بواقعنا الدرامي؟